إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

موضوعات الكتابة على هذه المدونة

30 يونيو (17) أخطاء لغوية (2) أخلاقيات (24) إخوان (24) البرادعي (1) التجديد و المذهب الصيامي (12) السيسي (4) الشرق الأوسط (3) الطب في بلاد الجهالة (2) المذهب الصيامي (20) المفضلة (13) الهيمنة الأمريكية (5) تجديد إسلامي (6) تجديد صيامي (20) تحليل سياسي (67) تدوين و توثيق (16) تربية (5) تصحيح إجتماعي (49) ثقافة إشتباك (45) ثقافة ثورية (45) ثقافة ثورية رد أكاذيب السياسة (2) ثقافة حوار (7) ثورة فكرية (32) جماعات إسلامجية (25) حراك 25 يناير (9) خطايا مبارك (14) خواطر (10) دفع فساد زمن الفتن (42) رابعة (1) رد أكاذيب السياسة (44) رد أكاذيب بإسم الدين (25) رد فتن التاريخ (8) سفاهات العرب (6) سفاهة الديموقراطية (14) سوريا (5) شرح الديكتاتورية (6) ضلالات الخلافة (2) ضلالة وجوب الإحترام اللفظي الزائد (1) طرق تفكير (2) عن الإخوان خطايا و طبيعة (18) عن كرهي للقراءة الطائشة (2) فكر جديد (24) فلسفة (14) فلسفة طبية (1) فهارس المدونة (9) قانون و دستور (2) قصص قصيرة (3) لقاءاتي المتلفزة (4) مصائب العولمة (4) معلومات طبية (1) مقتطفات (4) نظم حكم (5) نقد السلفية (1) نقد العلمانية (1) وجوب الديكتاتورية (2) My articles in english (6)

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

المعارف الإستكشافية و الإستنتاجية و الغيبية ،، منطق الفلسفات و فلسفة المنطق بين المرجعيات الثابتة و التجديف





* قبل القراءة من حقك أن تعلم أن كاتب السطور لم يقرأ و لو سطراً من علمي الفلسفة و المنطق حتى و لو في كتب التعليم الثانوي المجاني ،، و عليه فما يلي هو رأي أدعوك لمناقشته و نقده بشكل إبتدائي على ما يحتوي من أفكار ، و ليس على قياس بينه و بين إجتهادات سابقة في هذين العلمين.

* هذا المقال يفترض به أن يصل إلى :
أ - تعريفات و تصنيفات للمعارف و أنواع المنطق و الفلسفات ،
ب - علاقة هذه المكونات الثلاثة ببعضها و نتائج تفاعلها معاً ،
ج - تفسير المنطق الإيماني المتراكب الغير متوافق - من وجهة نظر الملحدين - مع المنطق البسيط ،
د - تفسير بعض التناقضات الغير مفهومة غالباً مثل : "لا منطقية" أشخاص غزيرو المعرفة ،، أو "منطقية" أشخاص يوصفون بالجهل و الأمية ،، و كذلك تفسير عدم كفائة بعض الأشخاص المنطقيين بشدة -المتفلسفين كما يسميهم العوام- في الوصول إلى حلول للمشاكل المنطقية .

* الجزئيتين (أ) و (ب) يفصلهما شرح الصورة المتراكبة بالأعلى ، و تعريفات للمسميات بها مع إعطاء أمثلة عليها :

- ببساطة : الحياة بحر متلاطم فيه جَمال و خطر ، فيه خيرات و ظلمات ،،
و العقل هو السفينة التي لا يمكن الإبحار بدونها ،
والأخلاق هي البوصلة التي تشير إلى إتجاه ثابت مهما إلتففت ،
و المنطق هو المنظار و المسبار الذان يدلانك غالباً على صحة الوجهة و أمان العمق و كذلك قد تضللك معلومات غير واضحة منهما  ،،
و الفلسفة هي الخريطة و هي ثابتة لكنها قابلة للإتساع و تحوي آلاف المسارات  ،،
و المنهج هو الطريق المختار عليها ،،
و المعارف هي مفاتيح تلك الخريطة المعقدة من علامات المسافة و التضاريس و العمق و الجو و الرياح و الديموغرافيا و مناطق الخطر و المؤن ،،
و الوجهة النهائية هي السعادة الناتجة من كفائة التطبيق بإستخدام كل ما سبق معاً .

- و العاقل لا يسعى إلا للسعادة ،، و أي عمل هدفه النهائي  يسبب التعاسة فهو عمل أخرق  ،، و تكون السعادة أحياناً آنية و أحياناً مؤجلة ،، قد يحارب الإنسان فيسبب له ذلك تعاسة آنية لكنه يتوقع بعدها سعادة بمغنم و متعة أو سيادة و نشر فكرة ،، قد ينفق ماله في الخير فتتقلص آنياً سعادته المفترضة لو كان أنفق ذلك المال على ملذاته ، لكنه ينتظر سعادة تالية إما من رد للجميل في الدنيا أو بنعيم بعد الممات ينتظره من يؤمنون بالحياة الآخرة .

1- و "العلوم" بذرتها "المعارف" ، تصنع الأخيرة "منطق" تفكير ، ليتفاعل الأخيرين مكونين "فلسفة" فهم ،، قد يقف الأمر عند هذا الحد من "العلم النظري" ، أو يتطور إلى "علم تطبيقي" بتفاعل العوامل الثلاثة للوصول إلى "منهج" إستخدام لهذا العلم.

2- و المعارف هي :  معلومات أكيدة و حقائق ثابتة مرحلياً أو مطلقاً حسب جودة تلك المعرفة ،، "الكهرباء تولد مغناطيسية" هذه حقيقة مؤكدة على سبيل الإطلاق (حتى الآن) ، و "البكتيريا هي أصغر الكائنات" كانت تلك معلومة أكيدة حتى إختراع المجهر الإليكتروني فرأينا الفيروسات و البريون .
و المعرفة مع أنها ليست الغاية ( السعادة يفترض أن تكون هي الغاية ) و لا حتى هي الوسيلة إليها ( فالمنهج هو الوسيلة و الطريق ) إلا أنها هي أصعب عناصر منظومة الفكر من حيث إمكانية الجمع و التحصيل ، فهي إما خلق فكرة جديدة أو إكتشاف شيء مستتر ، و هي العنصر الأهم في تلك المنظومة لأنها "المادة الخام" التي تشارك في صناعة (المنطق) و (الفلسفة) و (المنهج) بل و حتى المعارف الأخرى الجديدة من خلال البحث و التجربة ،،  لكل ذلك يكون تحصيل المعارف هو الهم الأكبر لكل حضارة إنسانية ، فبدونها لا يوجد منتج إنساني من فكر أو صناعات ، و في وجودها يسهل خلق العناصر الأخرى لمنظومات الأفكار (المنطق و الفلسفة و المنهج و الأخلاق) .

3- و المنطق هو : "أداة للتفكير" ينعدم منتجها بإنعدام وجود "مادة خام للفكر" من مرجعية ثابتة كالفلسفة و المعرفة ، و المنطق بالنسبة للفلسفة هو في نفس وظيفة علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ، هو منهج البحث العلمي بالنسبة لعلم البيولوجيا . و لإختلاف المادة الخام (المعارف و الفلسفة) التي تعمل عليها تلك الأداة (المنطق) تتعارض أحيانا الأفكار رغم أن جميعها يبدو منطقياً ، ذلك لأن منطقها بُنيَ على مرجعيات (فلسفات و معارف) متباينة ،، و المثال الأقرب هو إختلاف مدى (منطقية) الحق في حرية الملبس بين المرجعية (الفلسفة و المعارف = المنهجية) الإسلامية و المرجعية (الفلسفة و المعارف = المنهجية)  الهوليودية !!
لكن "القوي" من المرجعيات المختلفة تتلاقى (مناهج) تطبيقها في نقاط كثيرة تصلح كأرضية وفاق لتعايش مشترك مستقر ، فقط لو "فهم" كل فريق حقيقة (منطق) و (فلسفة) و (منهج) المرجعية التي يدعو إليها ، حينها سيثبت بالتحليل و الإستقصاء و التجربة مدى فاعلية و صحة تفاصيل (منهج) كل فريق ، فينزل الجميع على الأصح ، أو يتوافقوا على أن يتبنى كلٌ منهجه فيما يخصه ، و يتبنى الجميع المنهج الأقوى فيما يخص التعامل المشترك ،، و كلمة "الأقوى" في الجملة السابقة تحتمل كلاً من معنيي "قوة الفكرة" و "قوة فرض الفكرة"  .
و أتعرض بالتفصيل لذلك في كتابتي عن منطقي (الإيمان) و (الإلحاد) في الجزئية (ج) من هذا المقال إن شاء الله .

4- و الفلسفة  : هي مرجعية التفكير و الإستدلال ،
هي القالب الذي تصنعه من فهم طويل لحقائق معلومة فيمكنك من أن تقيس عليه صحة معارف جديدة أو فرضيات غير مؤكدة ،
و هي الثابت من منظومة الفكر الذي يفرق بين الكائنات البسيطة البدائية و الكائنات معقدة التفكير ، و بها يسترشد الإنسان ليصل إلى طريق "معارف جديدة" ، عندما تخلط تلك المعارف الجديدة و غيرها مرة أخرى بالفلسفة ينتجون جميعاً (المنهج) ، الذي هو طريقة توظيف كل ما سبق في إشباع حاجة إنسانية ما ،،
و الفلسفة  ثابتة في العلوم القديمة و القوية (العلوم البيولوجية و الشرعية) ، و قابلة للتعديل أو حتى التغيير في العلوم الناشئة و الضعيفة (علم الإدارة و علم الفلك) اللذان تتغير نظريات فلسفتهما كل عقد تقريباً ،،
كمثال عام : فلسفة العلم تقتضي إستخدام الأسلوب العلمي في التفكير من التحليل و الفرضية و الإختبار و القياس ثم الإستنتاج ، في مقابل فلسفة الجهل -إن صح المسمى- التي تؤصل لحياة الخوف أو العبث أو الجمود في إنتظار الصدف و المعجزات.

5- و المنهج  : هو الهدف النهائي لكل جهود البحث و الفكر و التجربة و التصنيف ،، هو طريقة تطبيق المعرفة و فلسفتها لوضعها في خانة الإستخدام الفعال بعد عمليات البحث و التحليل ،، المنهج بالنسبة للعلوم الشرعية هو (الشريعة) بأحكامها التفصيلية ،، المنهج بالنسبة للعلوم البيولوجية هو الطب و هندسة الزراعة ،،
و هو قابل للتعديل حسب الظروف الزمانية و المكانية و تفاعل الأحداث و طبائع البيئة و البشر ،، و به تتحقق الإستفادة من كل الجهد العلمي و الفكري ،، و يمكن بإستخدام المنهج أو إحدى مكوناته (المعارف المركبة ، المنطق المركب ، الفلسفة) تحليل الظواهر التي تحدث في الطبيعة (الصدف المركبة) فتنتج معارف إستكشافية جديدة .
و من المناهج فن (السياسة) ،، هو قابل للتغيير بشدة ، لكن هذا التغيير مهما بلغت حدته فتقتضي "الأخلاق" المنظمة لتطبيق ذلك "المنهج" ألا يتجاوز أبداً "المرجعية " (الفلسفة و المعارف) المعلنة لمنفذ تلك السياسة ،،

6- و الأخلاق تعطيك "حدوداً" و ليس "إملاءات" في كيفية تطبيق المنهج  ،، بين الحد الأدنى للمقبول من الأخلاق و الحد الأقصى لقدراتك يمكنك أن "تبدع" أو "تنقل" أفكاراً و أفعالاً ، و على حسب "جودة" هذه الأفعال و الأفكار يمكن "تقييم" جودة "منهجك" و كذلك كفائتك في تطبيقه ،،
الأخلاق هي ما يردع العلوم عن صناعة "مخزن قطع غيار بشرية" لكل إنسان بإستنساخ شبيه له ، هي ما يمنع من إجراء التجارب الذرية على البشر في الدول البعيدة و الفقيرة التي قد تقبل ذلك .

و بينما الأمل فوق الحد الأقصى للقدرات سفه أو رعونة ، فكذلك النزول تحت الحد الأدنى للأخلاق التي يفرضها عليك "منهجك" المعلن يخرجك من دائرة "التفاوت المقبول" في "ممارسة المنهج" إلى فراغ "الرذائل" الغير مقنن ، و هذا المسلك يوصلك إن إعتدت عليه إلى درجة وحشية قوم لم يصنعوا لمنهجهم  "اأخلاقاً" ، أو حتى لدرجة دونية قوم غوغائيون عديمو المنهج  !! 
و هذا أمر يختلط على كثير من الناس ، فيحسبون كل المتاح مباح و لو كان  سحتاً،  يحسبون الأقصَر أيْسر و لو كان خطِراً ، يحسبون الأضمن أرْزَن و لو كان ذُلاً ، أو يحسبون الأنجح أفلح حتى و لو كان على جثث أبرياء !!

و الأخلاق مضاعفة لدى المؤمن النابه و المؤمن العالم  ، فالمؤمن الجاهل و المؤمن الغبي مطبوعان على حسن الخلق من باب الإتباع الأعمى  بلا فهم للمبرر ،  هما لم يستنبطا ملمحاً من علم الإجتماع بنباهة عقولهم و لا علما ملمحاً من البيولوجيا ليعرفا مثلاً  أثر الزنا إجتماعياً أو صحياً ،
هذا ما يجعل أخلاق الأغبياء و الجهلاء أقل ثباتاً من أخلاق النابه و العالم ،،
و العالم الملحد لا يردعه سوى علمه و ضميره ، لذلك فعدم كمال علمه ( كجهله سابقاً بالمضار الصحية للخمر ) أو زلَّةٌ في ضميره (علماء التعذيب من أطباء هتلر) قد تجعل منه أداة إيذاء بدلاً من أن يكون مصدراً للرقي !

7- المعارف الغيبية : هي ما وصل إلينا بغير بحث ، هي الوحي الإلهي ، و منها يمكن بالتفسير و الربط مع معارف أخرى الوصول إلى معارف مركبة جديدة كونية و روحية على حد سواء ،،
فبتفسير معانيها يمكنك إكتشاف شكل الأرض المنبعج من {و الأرض بعد ذلك دحاها} ،، و من ربطها بمعارف بيولوجية مثل مراحل تكون الجنين في بطن أمه يمكنك الوصول إلى حقيقة روحية هي (الربوبية) و (صحة الوحي) ، فالذي وصف تفصيلياً عملية الخلق في وقت لم يكن يدركه أحد هو بالضرورة الخالق ، و بما أن هذا وصل إلينا في كتاب فلابد هو منزله ، و بما أنه وعدنا في نفس الكتاب أنه بقدرته التي خلقت الكون سيحفظه فهو بالتالي لم يحرَّف ، و من يقول بإمكانية أن تكون الآية التي تحتوي على هذا الوعد هي نفسها مضافة إلى الكتاب المنزل ، فستدحض فكرته حقيقة أننا لم نقابل آية واحدة حتى اليوم ثبت خطؤها ، و بالتالي الشك لا يدعمه أي عامل بينما اليقين يتأكد بإستمرار بعد أن تكتشف البشرية حيناً بعد آخر خطأ معلوماتها في مقابل إخبار الكتاب المنزل ( إستواء الأرض في مقابل دحيها) ، أو تكتشف معنىً كامناً كان مبهماً عليها من قبل ( نطفة فعلقة فمضغة ، فكانت وردة كالدهان) ، و هذا هو ما يجعل خشية المؤمنين العلماء لله هي الخشية الأعظم له عز و جل عن سائر البشر .

و الأديان السماوية فقط هي من تستطيع إكمال الدائرة وصولاً للمعارف الكونية خارج نطاق الروحانيات المجردة مثل ( الإيمان - الأخلاق - العبادات - الصحة نفسية ) لأن منزلها هو خالق الكون بكائناته و مواده و معارفه ، هذا أمر لم تستطع الديانات التي إصطنعها البشر الوصول إليه ، أقصى ما تفيدك به البوذية هي القيم الأخلاقية و معلومات - بشرية متاحة للكثيرين في عصر توليفها - عن طرق صيانة الجسد و النفس ، بينما تمتلىء بفرضيات لا تمت للعلم بصلة مثل تناسخ الأرواح و التجسد في قوالب حيوانية بعد الموت ، أمور لا يمكن تصنيفها على أنها (معارف غيبية) لأن أحدها لم يثبت أبداً ليدلل على صحة الباقي ،، لذلك فهي حتى و لو كانت تحقق فائدة تهذيبة في نفس متلقيها فإن جزءها الإخباري من الغيبيات يبقى مصنفاً على أنه (خرافات و أساطير) و ليست (معارف) .

8- الإيمان : و هو لرحمة الله متاح لصنفي البشر : النابه و الغبي ،، متاح للأول بتفسير العلوم الغيبية بالمنطق المركب و مطابقتها بالمعارف المركبة لعلوم أخرى ، و متاح للثاني بالمنطق البسيط في الإستدلال على وجود الخالق ، أو بإستيراد فهم الغير ممن هم أعلم و التشبث به ،،
و أرى أن قمة الإيمان يحوزها عالم نابه آمن عن فكر و فهم ، و أن قمة التقوى يحوزها نبيل عزيز النفس خشع لله إعترافاً بفضله ،،
و يقول الغزالي: "أكره إيمان الاغبياء لأنه غباوة تحولت إلى إيمان" ، ذلك أنه لا يؤمن عن يقين لكن عن حمق يجعله يطرب للمعجزات ليس إيماناً بقدرة الخالق و لكن ميلاً من عند نفسه الجاهلة للخرافة و الأسطورة ،
و أنا أكره خشوع تعبد الأخساء فهو لا يذل نفسه لربه لأنه عز و جل مستحق للعبادة ، بل هو أصلاً ذليل طول الوقت للعبيد كما للرب ، و خشوعه ليس خوفاً و لا رجاءاً و لا حباً في الله ، بل محركه هو حب العبودية ذاتها كطبع من طباع النفس الخسيسة ،
و كلانا أخطأ ، فلا الأول كان إيمانه بالغزالي و لا الثاني كان خشوعه لشخصي ،، لذا ما حقَّ لنا أن "نشعر" نحوه بقبول أو رفض ،، إنما ذلك جزء من حكمة الله الواسعة المعجزة في دينه الخاتم التي تمكن لكل إنسان مهما ضعفت مقومات نفسه فرصة اللحاق بالركب الصالح في الطريق القويم ، لكن ما أحزنه و أحزنني في حقيقة الأمر ليس إيمان هؤلاء و لا خشوع أولئك ، لكن الحزن ينبع من مفارقة تُفضي إلى أن يمتطى هؤلاء الأغبياء أو الأخساء رقاب الناس بدعوى التمكين للدين لأنهم الأوضح إيماناً و الأعلن خشوعاً !!
(الحيرة الأزلية بين المؤمن التقي و المتظاهر السفيه و المدعي المغرض)

9- العبادات : و هي أمور "توقيفية" - أي محددة سلفاً بشكل قاطع - قد نفهم لبعضها منطقاً واضحاً (كالزكاة) ، و قد لا نفهم (كالصلاة) ، و قد نكون بين بين (كالصوم) ،،
و هي "فرض الولاء" الذي نقدمه طاعة للإله ،، و الفارق بين الديانات السماوية و الديانات الوضعية هو أن الخالق الأعظم في السماء لا يستفيد من عباداتنا لكن على العكس يوظف فروض طاعتنا له لتصب معظمها في مصلحة معائشنا ، بينما في الديانات الوضعية العبادات تكون إما أمور لا تحمل منطقاً سوياً ( كإيذاء النفس لدى السيخ و بعض الشيعة) ، أو أنها تصب في مصلحة سدنة ذلك الدين (القرابين) .

و العبادات يؤديها المؤمنون بالإله حقاً ، و كذلك يؤديها المنافقون و مدعو الإيمان ،، 
فالمؤمنون يؤديها بعضهم إنطلاقاً من الإيمان ذاته من باب الحب و العرفان للمنعم الكريم فتكون صافية تواصلية مطمئنة ،
و يؤديها البعض الآخر من باب الطمع في الخيرات العاجلة و الأجلة فتكون صادقة مُغرضة ،
و يؤديها آخرون من باب الخوف من العقوبة فتكون مرتعشة أو تصنُعِيَّة ،،
و المنافقون يؤدونها رياءاً و سمعةً بين الناس ،
أما الجهلاء مدعو الإيمان فتتحول العبادة عندهم إلى عادة فتكون عرضة للبدع كما لا يكون لها أثر أخلاقي لاحق.
و لذلك فالخشوع في العبادة عامل مهم في إذكاء الأخلاق إنعكاسياً بإكتساب السكينة ، و كذلك في  تأسيس و إستمرارية الصحة النفسية .

10- الصحة النفسية : و هي الرضا عن الحال ، و علامتها السكينة و الطمأنينة أو (الإتزان الشعوري) الذي - و إن تفاوت بطبيعة حال النفس البشرية إلا أنه - لا يتجاوز حدود التفاوت المقبول إلى آفاق التطرف المَرضي للشعور و الحس من حزن مُقعد (إكتئاب) ، أو إثارة مدمرة (هياج) ، أو إحاسيس مضَلَلَة (هلاوس) ،،
و الصحة النفسية هي أقرب الحالات الممكنة للسعادة ، التي بدورها هي الهدف الأسمى للعقلاء كما أسلفت ، لذلك فالصحة النفسية هي غاية رئيسية في حياة البشر ، و تنتج من إشباع الحاجات بالمجهود المبذول من العلوم ، و بتقدير الذات و الإنسجام مع الآخرين كمنتجين تصنعهما الأخلاق ، و بسكينة الروحانيات التي يخلقها الإيمان و يذكيها الخشوع في العبادات .

و المؤمن الغبي يستمد صحته النفسية من أمور إستثنائية ، لذلك فصحته النفسية لا يمكن التنبؤ بها و لا الإعتماد عليها في توقع عقلانية تصرفاته ، هو يستمد الجانب الإيجابي في مشاعره من العدوى الإجتماعية من آخرين أثناء معاملات مشتركة تتسم بحسن الخلق ، أو  بكرم إستثنائي من الكريم مقلب القلوب .
و العالِم الملحد يتمتع بقدر جيد من الصحة النفسية بفضل علمه بسبب عاملين هما : إشباع حاجاته من مصنوعات العلوم ، و كذلك ثقته بنفسه و عقله و قدراته كنتيجة لإمتلاكه فلسفة ذلك العلم و ما يمنحه ذلك من نشوة إحساس بالسمو ، لكنه يبقى دوماً حائراً أثناء صنعه منظومة الأخلاق لعلمه ، حيرة نزلت "الأديان" لإنهائها ،، و كذلك يبقى ملتهب النفس تعيساً عندما يشعر بالدونية حال إصطدامه بمنتهى علمه ،،
العاملان السابقان بشكل عكسي يزيدان للعالم المؤمن صحته النفسية - والتي هي متحققة مسبقاً بالعلم كقرينه الملحد- ، فهو مرتاح إلى المنظومة الأخلاقية الثابتة و القوية المنزلة في عقيدته المعتنقة ، و إصطدامه بحاجز نهاية علمه يزيده إيماناً بأن فوق كل ذي علم عليم و هو المسؤول عن تقدير المقادير بعلمه ذلك ، فيطمئنه كل ذلك لأن هناك عين تحرس و ترعى ، و كذلك يطمئنه لصحة معتنقه فيدعو منْزِل العقيدة - الذي هو في نفس الوقت صاحب كل العلم - بأن يفيض عليه من بعض علمه !

11- الصدفة البسيطة : عن غير قصد تشب النار في بعض جلد الحيوانات فتتلفه ، عن غير قصد يقع بعض الماء على النار فيطفئها ،، يمكنك أن تحلل ذلك بعقلك لتصل لمعارف جديدة ، و يمكنك أن تضيف عليها مسحة من الجهالة فتعزو أمر إحتراق جلد الحيوانات إلى العفاريت مثلاً (الخرافة) !
(أشهر الصدف البسيطة هي تفاحة نيوتن التي أدت لإكتشافه قوانين الجاذبية).

12- التجربة البسيطة : الآن نجرب بعض المواد الأخرى بوضعها في النار هل ستشتعل مثل جلد الحيوانات أم لا ، من المشاهدات يمكن الوصول إلى أن تأثر المواد بالنار يختلف بالتدرج بين الإحتراق الكامل و مجرد السخونة ،، هنا أيضاً يمكنك أن تستنج بعقلك معارف من هذه التجربة ، أو من جديد تتشبث بأن (العفاريت) هي من يقرر ما الذي يحترق و ما الذي ينجو لتصل إلى (خرافة) جديدة !

13- المعارف البسيطة : هي ناتج الإستنتاج و التحليل للصدف و التجارب البسيطة : الماء يطفىء النار ، النار تتلف جلد الحيوانات ،، تحليل هذه المعلومات يؤدي إلى فهم بعض خواص كل من النار و الماء ، و ربط هذه المعلومات معاً ينتج منطقاً بسيطاً ،،

14- المنطق البسيط : النار تتلف جلد الحيوانات و الماء يطفىء النار إذاً إذا وجدت النار قد أمسكت ب جلد حيوان ترتديه فضع عليه بعض الماء ، ليس من المنطقي أن تطفأ النار بجلد الحيوانات فهو يحترق !

15- الصدفة المركبة : تسقط في النار كمية من الرمال ، بعد فترة تنصهر ، بعد أن تطفىء النار ببعض الماء تكتشف تكون مادة لامعة صلبة شفافة (الزجاج) ،، نفس الإختياران مطروحان : حلل ذلك منهجياً تصل لمعرفة مركبة (تغير خصائص المواد بالنار إلى منتج غير الرماد) ،، أو أضف بعض الجهالة لتصل إلى (أسطورة) إغريقية معقدة العناصر و الشخوص تقول أن إله النار يبكي حِمماً حزناً على فراق زوجته إلهة الرمال ، فترحمه أختها إلهة الماء بتبريد هذه الحمم و تجعل منها صخوراً شفافة يرى داخلها المحبون صور أحبابهم  !

16- التجربة المركبة : و هي "فرضية" علمية تسعى لإثباتها عن طريق "الإختبار" ، ثم "تقيس" الناتج بشكل ما ،، و يحرك هذه التجربة تراكم المعارف مع الإحتياج إلى إستخراج و إنتاج معارف جديدة منها لتلبية إحتياجات حياتية متنامية ،،
ستفترض أنه يمكنك صناعة تلك المادة الصلبة الشفافة ،، و سوف تختبر ذلك بأن تحضر الآن أنواع مختلفة من الرمال ، لتضعها في آنية مختلفة من المعدن أو الفخار ، ثم تشعل النار من تحتها بأنواع وقود مختلفة كالخشب أو دهن الحيوان ،، و ستقيس المنتج في كل مرة من حيث الصلابة لتصل إلى معرفة مركبة جديدة (تصنيع الزجاج) .

17- المعارف المركبة : هي ناتج التحليل و الإستنتاج لكل من الصدف و التجارب المركبة كما في المثال السابق ،، و كذلك تنتج من جمع و تصنيف المعارف البسيطة معاً بفلسفة (منظومة تفكير) ما ،، و تحليل و ربط هذه المعارف معاً و القياس عليها ينتج نوع منطق أكثر تعقيداً من المنطق البسيط ،،

18- المنطق المركب : ينتج إما كما سبق مباشرة من المعارف المركبة مثل: ( لم يعد منطقياً كره النار و الخوف منها فهي مفيدة و يمكن السيطرة عليها) ،،
أو كتطوير للمنطق البسيط بفعل المعارف المركبة مما قد يؤدي إلى منطق مخالف ( السائل الأخف يطفو على سطح الأثقل منه ، الزيت أخف من الماء ، لذلك لا يستطيع الماء إطفاء حريق الزيوت ، فليس منطقياً بعد الآن إطفاء كل الحرائق بالماء) ،،
و عندما يضاف هذا المنطق المركب من جديد إلى المعارف المركبة التي أنتجته أو إلى معارف مركبة أخرى تنتج المرجعية الفكرية (الفلسفة) ،،

* الهرمونات تؤثر في تنظيم وظائف الجسم (معرفة مركبة) ،،
عندما "نحلل" هذه المعلومة نعرف أن الهرمونات ضرورية للحياة ، و عندما "نربطها" مع (معرفة مركبة) أخرى مثل أن الهرمونات ينظم إفرازها هرمونات أخرى ، ينتج ذلك (منطقاً) يقول بأنه : إذا كنا قد إكتشفنا الهرمونات المنظمة لبعض الهرمونات  "فقياساً" على ذلك ينبغي أن نبحث لكل هرمون إكتشفناه عن الهرمون الذي ينظم إفرازه ، بذلك يدلنا (المنطق) على البحث عن (معارف) جديدة ،،
عندما نتأكد من تلك المعارف الجديدة بما يؤكد الفكرة الأولى بأن كل هرمون ينظم إفرازه هرمون آخر ، و نخلطها بمعارف جديدة مثل أن الهرمونات ينظم إفرازها أيضاً إشارات عصبية و كذلك ينظمها إستشعار تركيز نفس الهرمون - المراد تنظيمه- في الدم ينتج لنا ذلك جزئية من (فلسفة) بيولوجيا الهرمونات التي تقول أن تنظيم شيء مهم كالهرمونات يجب أن يكون بأكثر من وسيلة لضمان إستقرار السيطرة على الأمر تحسباً لفشل إحدى وسائل التنظيم تلك ،، تخبرنا جزئية ثانية من (فلسفة) الهرمونات أن طبيعة الأنظمة الهرمونية داخل الجسد الواحد مترابطة بشدة و إختلال أحدها يؤثر على سائر الأنظمة ،،
لو أخذنا جزئية الفلسفة البيولوجية الأولى و خلطناها (بمعارف مركبة) من علم الإجتماع  يمكننا تطبيقها للوصول إلى (منهج) سيطرة و إستقرار مجتمعي ،، لو صحت هذه النظرية الجديدة يمكنك إستنتاج فلسفة جديدة هي أن القوانين المنظمة لعمل الخلايا داخل الجسد يمكنها أن تنطبق أيضاًعلى الأفراد داخل المجتمع ،، بدورها لو ثبتت الفلسفة الجديدة ستوجهك إلى (الإيمان) بأن خالقهما واحد ،، و مع بعض المنطق البسيط يمكنك الإستدلال على أن (المعارف الغيبية مثل الوحي) منزلة من عند ذلك الخالق ،،
من جديد خلط الإيمان مع المعارف الغيبية -بحذر علمي شديد خشية سوء الإستنتاج - يجعلك تستخلص منها معارف حسية مركبة جديدة "مثل بيضاوية الأرض" تلك المعارف الحسية الجديدة عندما تَثبت بالدليل القاطع و عندما تقارن معارف حسية أخرى بمعارف غيبية قديمة لم تُفهم في حينها - مثل تفصيل عملية خلق الجنين -  يؤدي بك كل ذلك إلى مزيد من الإيمان بالمعارف الغيبية ، و منزلها ، و من نزلت عليه ،،
و إذا أخذنا جزئية الفلسفة البيولوجية الثانية و خلطناها (بمعارف مركبة) أخرى مثل أن من يتوقف لديها إفراز هرمون الأنوثة تتعرض لمخاطر صحية متعددة و أن تعويض ذلك الهرمون يلغي تلك المخاطر ، يوصلنا ذلك إلى (منهج) في التعامل مع نقص الهرمونات يفيد بأن نعوض دوماً أي نقص هرموني ، و يسرى ذلك المنهج ليس على هرمون الأنوثة وحده بل على كل الهرمونات.
و إذا قابلتنا (صدفة مركبة)  مثل أن من تُستأصل كل غدته الدرقية لكبر حجمها و ضغطها على مجرى النفس يصاب بأعراض نقص الكالسيوم  رغم أننا عوضنا هرمون "الثيروكسين" الذي كانت تفرزه تلك الغدة بمستحضر دوائي ،، 
يمكننا تحليل هذه الصدفة في ضوء (المنهج) الذي يستدعي تعويض كل نقص ، بإستخدام (الفلسفة) التي تقضي بأن التحكم في العناصر المعدنية مثل الكالسيوم يكون عن طريق الهرمونات ،
و بإستخدام (معرفة مركبة) تقول بأن الهرمونات تفرزها غدد ،
فيوصلنا (المنطق) إلى أنه هناك بالضرورة غدة ما أو أكثر قد أزلناها في تلك الجراحة و هي مسؤولة عن تنظيم الكالسيوم في الجسم ، مع بعض "التحليل" و (التجربة) نصل إلى (معارف مركبة) جديدة تقول بأن الغدة الدرقية نفسها تفرز هرموناً ثانياً مسؤول عن تنظيم الكالسيوم ، كما أن هناك غدة صغيرة جداً ملتصقة بالغدة الدرقية تفرز هرموناً هو الآخر مسؤول عن تنظيم الكالسيوم .

_________________________________

* من الصورة نستنتج بعض الأمور :

- كل وسائل الوصول إلى منتجات فكرية و علمية و أخلاقية و حتى إيمانية و تعبدية جيدة هي عمليات "عقلية" مثل : التحليل و الإفتراض و الإستنتاج و القياس و الربط و المطابقة و التفسير ،، لذلك لا يمكن تصور حضارة مميزة أو إيمان صادق بدون عقل ،،
- لا يمكن الوصول (لمنطق) دون (معارف) و (فكر) ،،
- و لا يمكن الوصول (لفلسفة) دون (منطق) و (معارف) مجتمعين ،،
- و لا يمكن الوصول إلى (المعارف المركبة) دون (فلسفة) و (معارف) أخرى ،، 
- و لا يمكن الوصول (للمنهج) دون (معارف) و (فلسفة) مجتمعين ،،
- لا يمكن الوصول (للإيمان) بالجهالة ، و العقل و العلم هما الطريق الطبيعي إليه ،،
- كل (الخرافات) و (الأساطير) مبنية على جهل كلي أو جزئي ،،
- (التجربة البسيطة) بالمحاولة و الخطأ هي أسلوب بدائي لإكتساب (المعارف) لا يلجأ إليه إلا من إفتقر للقدرة على إستخدام او فهم عناصر (التجربة المركبة) من فرضية فإختبار فقياس فإستنتاج ،،
- من المهم الإشارة إلى أن العلاقات المرسومة بعاليه ليست مقصورة لكل علم على حده ، بل إن خلْق عنصر لعلم ما منها ( كمنهج الطب مثلاً ) يمكن أن تُستخدم فيه العناصر الأخرى لنفس العلم (الفلسفة الطبية) ، أو أن تستخدم عنصر أو عناصر من علوم أخرى ( المعارف الهندسية مثلاً في جراحات العظام) ،، فالعلوم تصبح أكثر تعقيداً و بالتالي فائدةً عند تفاعلها مع بعضها ،، كما يمكن صناعة علم جديد من عناصر علوم قديمة مستقرة ( كعلم السياسة من معارف علم التأريخ و فلسفة علم الإجتماع و منطق و أخلاق مرجعية المجتمع السائدة) .


_________________________________

ج - الآن ننتقل للجزئية (ج) عن منطقي (الإيمان) و(الإلحاد)

* الحقيقة أن منطق الإلحاد يصعب الرد عليه في مقال ، ليس لصعوبة نقض الفكرة و لكن لأن الإتجاه الفكري نفسه غير مترابط ، هو عبارة عن شرذمات فكرية غير مترابطة ، و كلها عبارة عن "مفارقات منطقية" مفترضة في فلسفات العقائد و منطقها و معارفها و أحياناً نادرة في أخلاقها ،،
فلو إستبعدنا الأفكار المضحكة مثل أن الدين هو سبب القتل في العالم لأن هناك متطرفون يهود في مستوطنات فلسطين ، و متطرفون مسيحيون في شمال أوروبا و جنوب الولايات المتحدة ، و متطرفون مسلمون في وسط آسيا ، و ينسى صاحب الفكرة المسطحة أن هناك قتل من أجل المال ، و من أجل الثأر ، و من أجل الحب ، و من أجل خمسة جنيه !!
لو لإستبعدنا ذلك و ناقشنا الأفكار الإلحادية الأكثر وجاهة لوجدنا أنها لا تكوِن (منهجاً) ، هي في أحسن الأحوال مجموعة من "القفشات" التي تماثل تماماً "تذاكي مراهق" ينتقد منظومة شديدة النضج و التعقيد ! هو فقط يستخدم (منطقه المسطح البسيط) بدرجة مخِلة لتفنيد مجموعة شديدة التعقيد من (المعارف المركبة) ،، و هو لا يطرح فكرة بديلة معتبرة مثلاً عن كيفية الخلق أو منظومة جديدة للأخلاق ، فقط هو يعتني بهدم فكرة الإيمان تماماً كما يحرص "المراهق اللميض" على السخرية من تصرفات الكبار حتى و لو برعونة شديدة الوضوح له هو شخصياً ! و كمثال لذلك سأروي لكم ما شاهدته في أحد البرامج العلمية الإلحادية : 

يُشَّرِح العالِم في البرنامج رقبة زرافة ليري الجمهور كيفية التطابق بين مسار العصب الحنجري المرتجع في الزرافة و الإنسان ، فهذا العصب يبدأ من داخل الجمجمة و يسير في الرقبة حتى يصل إلى الصدر فيمر من تحت الشريان الأورطي عند القلب مباشرة ثم يعود مرة أخرى للرقبة ليغذي عضلات الحنجرة ،
هذا المسار المتطابق يمتد في الإنسان لحوالي الثلاثين سنتيمتراً ذهاباً و إياباً ، بينما يستغرق في الزرافة لطول رقبتها حوالي المترين ! نعود الآن للعالِم ضعيف المنطق لنرى ماذا يريد أن يشرح لنا لنجد أنه يستدل بذلك "الإكتشاف" على إحدى فرضيتين :

- إما أن ذلك التطابق يدل على أن منشأ الإنسان و الزرافة هو كائن واحد بالتطور بين الأنواع ،
- أو أن ذلك الخَلق يستحيل أن يكون صنعه خالق متقن لصنعته ، لكن ذلك من خلق الطبيعة العشوائية  الإنتخاب الطبيعي بالبقاء للأقوى ، و يستدل على عدم وجود الخالق بأنه لا مبرر  مطلقاً للأمتار الأربعة التي قطعها العصب ذهاباً و إياباً في عنق الزرافة ليعود من جديد للحنجرة في أعلى العنق !

لم تهده فرضيته الأولى أن تطابق الخلق هو أدعى للإستدلال به على وحدانية الخالق عن الإستدلال به على وحدانية المخلوق !
و الفكرتان واردتان - فرضياً-  لكن وحدانية المخلوق لم يظهر لها أي برهان منذ بدأ تسجيل العلوم من آلاف السنين ، فلم ينمو لأهل الإسكيمو و لو "فرو" ضئيل يقيهم البرد ، و لم تظهر أي" خياشيم أو بداية زعانف" لأهل الخليج العربي و هم من كان أسلا فهم قبل عهود البترول يعيشون على الغوص في الماء كأحسن دولفين مدَرَّب !!
وحدانية المخلوق لا توجد و لو قرينة تدعمها ،، بينما وحدانية الخالق تؤكدها عشرات الأدلة ، فأي منطق أعوج يستدعي تبني الفكرة الأولى و السخرية من (خيالية) الفكرة الأخيرة ؟!!

و في فرضيته الثانية لم يتذكر - و هو عالِم التشريح - أن العلم حتى اليوم لم يتوصل لأكثر من 10% من وظائف المخ و أعصابه ، و لم يتذكر أن وظيفة هذا العصب نفسه كانت مجهولة حتى قرن أو إثنين مضيا ، بل أنه منذ وقت - سجلته المعارف الإنسانية المكتوبة - لم يكن الإنسان يعرف أن هناك شيء أصلاً إسمه "العصب" ، فلم يكن يمر به سائل نعرفه به إذا إنقطع كالأوعية الدموية ، و لا حتى يمكن تمييز لونه الباهت عن النسجة المحيطة ،،
لماذا لم يجمع كل هذه الحقائق التي يعرفها ليضع فرضية أنه ربما لا يعلم اليوم سبب مرور ذلك العصب بهذا المسار المطول ، و أنه قد يعلم ذلك مستقبلاً ؟! هكذا يفكر العلماء ، لكن قبل أن يسلب سفه المراهقة الفكرية حكمة علمهم !  

هل رأيتم ،، الملحد لا يقدم حلولاً ، و لا يقدم بديلاً فكرياً ، هو فقط يهتم بأن يُظهر "تذاكي المراهق" و يستدل بأكثر من إستدلال - تناقض بعضها بعضاً أصلاً - و كل غايته أن يحاول السخرية من فكرة الإيمان بالخالق ،،
هو كمن ينتقد رداءة صناعة "مرسيدس" شبه كاملة فقط لأن هناك إحتمالية 1 إلى 1000 أن يفسد نظام الغلق الأوتوماتيكي للأبواب فيها على السرعة العالية مما يعرض حياة الركاب لنسبة خطورة ، بينما هو - و هو المنتقد اللائم المتأفف - لا يصنع أي سيارة من الأصل و كل معارفه لا تتجاوز قدرته على إصلاح دراجة هوائية !!
إن أفضل ما يمكن الرد به على الملحدين ليس الإستهزاء أو التجاهل ،، بل بدحض الحجة ، و بالطلب "الصادق المعجز" في الآية الكريمة : { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) } (سورة القصص).


* و الإشكالية الفكرية في اللإلحاد شديدة البساطة ،، إنها تناقضات (منطقية) فقط لإستخدام أنواع مختلفة من المنطق عن المنطق الذي يحكم مسألة الإيمان ،،
فالإيمان يحكمه (المنطق المركب) و (المنطق المتراكم) و (المنطق الإفتراضي الثابت الصحة) ،، بينما الإلحاد يحكمه (المنطق البسيط) و (المنطق المجرد) و (المنطق المعكوس) ،،
بطبيعة المسميات فأنواع المنطق الأولى أكثر تعقيداً و بالتالي رقياً من الأنواع الأخيرة و لكن دعوني أشرح ما أقصده بالمسميات السابقة مع التمثيل :

- المنطق المركب : و هو مشروح تفصيلاً بالفقرة (ب) بالأعلى على أنه ناتج مجموعة من المعارف المركبة ،،
و مثاله : الإستدلال بالمعارف الحسية المدركة بالعلوم الحديثة كعلم الأجنة و علم الفلك على صحة المعتنق و الكتاب السماوي ، من خلال مطابقة ما ورد في هذه العلوم بما أُخبرنا به في كتابنا ،
مجرد أن أعلم الفوائد الصحية للنوم على الجانب الأيمن ، أو لشرب الماء على ثلاث رشفات ، أو على تنظيم الأكل بأن تقوم من عليه قبل أن تشبع ، والأمر الفريد في حضارات العالم بغسل داخل الأنف بالماء ، و النهي عن الكي ،،
و تربط كل ذلك بأن من قالها هو رجل أمي لا يقرأ ،،
و أنه قالها في وسط قوم يؤمنون بعكسها ،،
فهذا كاف لأن تعلم أنه لم يكن مجرد "مصلح إجتماعي" جاء ليستنكر بفطرته الجيدة وأد البنات أو إستعباد البشر ، بل هو رسول يوحى إليه من خالق هذه المعارف كلها ، و إخباره بعد ذلك بمعجزات لا يستوعبها المنطق المجرد هو صدق لأنه مرتبط بإرادة الخالق الذي يعلم و يقدر على ما لا نقدر على إستيعابه ،،
  
و هذه العملية (المركبة) من (المعارف المركبة) و (المعارف الغيبية) تنتج (الإيمان) ،، بينما المنطق الإلحادي (البسيط) يقول بأنه مادام الخالق يخلق أجنة مشوهة فإذا هو غير قادر و بالتالي ليس مستحقاً للعبادة !

- المنطق المتراكم : و هو من أحد أهم وسائل نمو (المعارف) عموماً ، فالمعارف بعد أن تتراكم يصبح ذكر الحقائق الأولى مضيعة للوقت ، تماماً مثلما نفعل جميعاً بعدم السؤال عن (باي) أو (ط) التي لا يعلم الجميع لماذا هي تساوي 22 على 7 ، ذلك أن آخرون أفنوا عمرهم ليكتشفوها ثم يختبرونها آلاف المرات ، و نحن نستمتع بإستخدامها بسهول لحساب مساحة الدائرة في ثانية واحدة !
هذا المنطق المتراكم يؤمن به الملحدون في العلوم الدنيوية بينما يرونه خطيئة عند تطبيقه على الأفكار الإيمانية ، و هذا كيل بمكيالين لبضاعتين متشابهتين تجانبه الحيادية تماماً.

بنفس (المنطق المتراكم) الذي يولي ثقة في آخرين ينمو الإيمان بإجتهاد أشخاص يضيفون للآخرين معارف يكفي فهمها مرة واحدة لبيان صحتها ، بعدها يمكن نسيانها ،،
ليس كل منا مطالباً أن يحفظ عن ظهر قلب كل دفوعات حجية السنة في مقابل التشكيك فيها ، هناك من أفنوا أعمارهم في ذلك وعرفنا أن المشككين لم يستطيعوا دحض حججهم ،، لذا فيكفيك الإطلاع على بعضها و على بعض آراء المشكيين و الرد عليها ، بعدها يصبح من حقك منطقياً و دون حرج أخلاقي أن تؤمن بحجية السنة كاملة.

- المنطق الإفتراضي ثابت الصحة : و هو نفس المنطق المطبق في علوم المغناطيسية و الكهرباء ،، لم يشاهد أحد أبداً أياً من الطاقتين ، مع ذلك هناك منظومة شديدة التعقيد و الإحكام لتطبيقاتهما و لقوانينهما المنظمة لم تخِب أبداً !
هذا المنطق يقبله الملحد في هذه العلوم و يرفضه تماماً في فكرة الإيمان بخالق لم نراه ، فيعتبر ذلك سفهاً و جهلاً و تصديقاً بخرافات لا تدركها الحواس ! من جديد ، المكيالين يعملان بكفاءة و لا عزاء للحيادية !

- و المنطق المجرد : هو تلك الأداة الطفولية التي يحاول بها الملحدون دحض (المنطق المتراكم) و (المنطق الإفتراضي) الأكثر رقياً ، يفعلون ذلك فقط - كما أوضحت - في شأن الإيمان ،،
المنطق المجرد يجعل الملحد يقول : لو كان الإله يتركنا نمرض فهو يهملنا و بالضرورة لا يمكن أن يكون متابعاً لشأن إيماننا من عدمه !
ينسى ذلك العقل الطفولي أنه لولا المرض لإمتلأت الأرض بالبشر ، و ينسى أن المرض محنة قد تغير في النفس و الشخصية الكثير فتتأثر الحياة المحيطة بالشخص من ذلك التغير ، و ينسى أن هناك أشخاصاً أرزاقهم تتعلق بالمرض ، و ينسى أن في المرض إختبار لردود أفعال من حولك تستطيع به تحديد شكل علاقتك بهم لاحقاً على قدر أهميتهم بالنسبة لك !

- أما المنطق المعكوس : فهو هناك منطق الملحدين في فهم فكرة التخيير و التصيير : (أنا مقدر لي ما سأفعله فلماذا أحاسب عليه ؟!) ،،
و في رأيي أن المنطق الأقوى هو : (أنا أستطيع في هذه اللحظة الإختيار بين مائة فعل مختلف فلماذا لا أحاسب على هذه المساحة من الإختيار؟!) ،،
أعتقده المنطق الأقوى لأنك تقيم أشياءاً قائمة بالفعل (القدرة على الإختيار في هذه اللحظة) ،،
أما المنطق الأول (المعكوس) فهو أقل واقعية فمتغيراته غير معروفة بالعقل البشري  :
ما الذي كُتب في اللوح ؟! و هل ما كتب فيه ثابت أم أن مقدر الأقدار الذي كتبه حر في تغييره ؟! أم أنه عز وجل- يربط ذلك التغيير المحتمل بأفعال خاصة أو عادية يفعلها البشري ؟!
و هل إحتمالية التغيير هذه هي مطلقة أم مشروطة ؟! إستثنائية أم تسري على عموم الناس ؟!
و ماهي طبيعة العقاب أو الثواب المبشر به ، هل هو متعة إيحائية عقلية أم أنه حقيقة واقعة ؟! و هل هذه الطبيعة تسير بقوانين نستوعبها الآن أم سنستوعبها في حينها و لذلك علينا أن نعمل صالحاً لأن ذلك يصلح حالنا في الدنيا بغض النظر عن شكل الثواب و العقاب في الآخرة ؟! فمثلاً من منا اليوم يتمنى أن يكون له آلاف النساء أو يكون باب دخوله للجنة مثل ما بين الشام و اليمن ؟! أهي أمور قياسية أم مجازية ؟! و هل لو كانت قياسية ستتسع حواسنا حينها لكي نستمتع بها في حين أننا لا يمكننا إدراك شكل هذه المتعة الآن ؟!
و هل العقاب أكيد أم أن رحمة الله قد تسع جميع البشر ؟!  
كلها أسئلة يستحيل الإجابة عليها فلا يحيط بها لا علمنا و لا قدرتنا على التفكير و الإستنباط ،،
لذلك أفضل أن أفكر في حدود إمكانيات الإحاطة العلمية و الفكرية البشرية ، أنا أفعل كل ما أراه نافعاً ، و أفعل ما أمرني به إلهي لمصلحتي و مصلحة ما حولي ،   و ما زاد عن فهمي الدنيوي أرده إلى الإخبار الغيبي الآتي من الإله الذي آمنت به بعد إستدلالات منطقية إنسانية كثيرة ، إستدلالات على وجوده ، و على ملكوته ، و على إنزاله لكتبه و بعثه لرسله.



* و السبب في تعدد أنواع المنطق و وجود الصحيح منها و الرديء و الفاسد ، هو أن (المنطق) ليس (مرجعية) كما شرحت في الفقرة (أ) ، لكنه هو أداة تمارس وظيفتها على "مادة خام" من (مرجعية منهجية = فلسفة + معارف) ، و متى إختلفت المادة الخام فبالتالي يختلف المنتج ،،
و (المنطق) ككل الأدوات ،، منه البدائي و منه المعقد و لا يغني أحدهما الآخر ، فالدوائر الإليكترونية لا تغني عن المطارق و المسامير ،،
و (المنطق) قابل للتعديل كما تُعدّل أشكال المطارق ، و قابل للتطوير و الإضافة كإستخدام عدة دوائر إليكترونية معاً لأداء وظائف أعقد ،،
هو من جديد ككل الأدوات يمكن تكهينه عندما يصبح غير ذي جدوى ، يوماً ما كانت العجلات الخشبية أحد أهم إختراعات البشرية و لولاها ما بنيت الأهرامات ، لكن اليوم من الذي يطيق إستخدامها و هي لم يعد لها ميزة على الإطلاق في مواجهة الإطارات المطاطية ؟!

و عذراً للإطالة فأحتاج إلى مثال "لتكهين" المنطق حتى تتضح الفكرة ،،
لو فرضنا أن "جون" في أمريكا هو صديق "سكاسوكو ياما" في اليابان و صديق "صيام" في مصر ،
فإذا تقابل جون و سكاسوكو ياما في مكان ما في عام 1800 و أقسم كلاهما أنه كان مع صيام في بلده في يوم الأحد الماضي لكان هذا الأمر (غير منطقي) بالكلية ، و لربما نتج عن هذه اللامنطقية تباغض بينهما لإفتراض كذب أحدهما على الآخر ،،
لو حصل نفس الموقف بعد إختراع اللاسلكي لربما قبلا "مجازاً" معنى تواجدهما مع صيام في نفس اليوم على أساس أن كل منهما تواصل معه صوتياً ،،
لو حصل نفس الموقف بعد إختراع النفاثة لما أثار الأمر إستغرابهما إلا أن يتسائلا كيف تمكن صيام أن يفعل ذلك و هو فقير لا يملك ثمن تذاكر الطيران ، و هو الذي لا يملك تصريح سفر لأنه عبد عند مكتب التجنيد !
لو حدث نفس النقاش لكن في عصر تالٍ يكون الإنتقال فيه آنياً و مجانياً لما أرهقا نفسيهما بمجرد اللإستفسار عن سبب تواجد صيام في قارتين في نفس اليوم !
كان هذا مثالاً "لتعديل" ثم "تكهين" المنطق ، مما يشرح أن المنطق ليس مرجعية لكنه أداة تفكير و تسري عليه كل قوانين الأدوات ،،

- و متى نظرنا للمنطق على أنه هو المرجعية و ليس أداتها كان ذلك هو منبع الخلل في المنتج الفكري كما حصل مع الملحدين ،، لقد كان أحرى بهم أن يطوروا (مرجعية منهجية) أولاً مبنية على (منطقهم) المستخدم ، ليليق بهم سجال آخرين متكاملي عناصر الفكر.

* و الأمر في تعدد أنواع المنطق و تضاربها لا يمكن الفكاك منه بالنقاش للوصول إلى المنطق الأسلم ،،
فالعقول ليست سواء و (المنطق) هو منتج إعمال (العقل) على (المعرفة) لذلك فبالتأكيد ستتعدد المنتجات ،،  
و في ظل عدم إتفاق الناس حتى و لو في عنصر واحد كالمنطق أو المعارف أو فلسفاتها أو منهج تلك الفلسفة أو حتى على منظومة الأخلاق فسينتج حتماً ما نراه اليوم في أوطان العرب الثائرة من صراع أيديولوجي مرير لا عائد منه أبداً لأن كل طرف يحارب بالحق و بالباطل لنصرة منظومته الفكرية الأخلاقية ،، و لا سبيل لجعل هذه الأشعة المشتتة تنتظم في حزمة يمكنها أن تفيد بضوئها الوطن و المجتمع سوى أن "يجبرهم" الطرف "الأقوى" فكراً أو من إمتلك "قوة" لفرض فكره على أن يتبنوا منظومته هو ،، 
لكن في رأيي رب الكون حل هذه الإشكالية بإنزال الأديان ، الأديان هي "أطر" لمنظومات فكرية أخلاقية ،، تقي الناس فتنة و ضلال الإختلاف التشتتي في المنطق و الأخلاق ،،
فتجعل هذه الأطر أرضية مشتركة للفكر يمكن في داخلها إبداع عشرات القوالب المرنة من (المناهج) المبنية على (الفلسفة) الإلهية المنزلة في الأديان ،،
تُصنع هذه القوالب (المنهجية) من آلاف الإحتمالات (المعرفية) التي يمكن تحصيلها من علوم الشرع و العلوم الطبيعية ، و من عشرات أنماط (المنطق) التي يمكن بناؤها من إعمال العقل على هذه المعارف كما حدث مثلاً في المذاهب (المناهج) الفقهية التي إختلفت في منطقها لإختلاف المعارف و العقول ، بينما توحدت في الفلسفة (مقاصد الشريعة) و في منظومة (الأخلاق) .

و لا يمكن بحال ترك الأديان في مقابل الإكتفاء بإعمال العقل ، فالمنتج سيكون - كما أسلفت - تناحراً غير متناه  سوى بقهر طرف للآخرين المخالفين ،،
و الأديان هي "كاتالوج" خالق الخلق لكيفية "تشغيلهم" ،،
و لو ضربنا مثلاً بسيطاً يدل على قصور العقل البشري كمثل "النظرية النسبية" لأمكننا الإستدلال بسهولة على أنه يجب أن يكون هناك "هدي" إلهي حتى تتزن عشوائية الإحتمالات اللامتناهية للفكر الإنساني ،،
فلو صحت النظرية و كان الزمن (نسبي) ، و أن كل شيء حدث بالفعل أو يحدث طول الوقت ، و أن الماضي و المستقبل ليسوا بهذا الإنفصال ،،فمجرد وجود تلك النظرية مطروحة من آدمي (آينستاين) ،، و كونها نظرية متفردة ليس لها شبيه من ناحية التعقيد ،، و كون كثيرين من البشر حتى العلماء لا يستطيعون الإلمام الكامل بهذه النظرية ،، لهو دليل أن عقولنا أضيق بكثير من أن تستوعب أموراً في الكون تعد من بدائياته ،،
و لدل ذلك على أنه وجب علينا من باب الحكمة تلمس المعونة الإلهية المنزلة على الرسل بدلاً من الرفض و "الترفيص"الطفولي كرد فعل لفكرة الإجبار على إتباع تعليمات ما  !!

لمزيد من التفصيل أنصح بقراءة الأجزاء الأربعة و خصوصاً الجزء الأول من مقالاتي : (تأملات فى اعمال العقل و اختلافات الرؤى الإسلامية) فهو يناقش كيفية الوصول بالعقل فقط إلى أعلى مراتب الإيمان :

_________________________________


د - في هذه الجزئية أعرض لتفسير بعض المتناقضات بين أشكال البشر و منتجاتهم الفكرية و الشعورية :

- فالفكاكة في الشخصية العربية و المصرية بالذات هي نتيجة لإمتلاك منطق شديد التعقيد من كثرة الفلسفات التي يستوعبها العربي (البدوية - الزراعية - الإسلامية - الغربية) ، لكنها لا تصل إلى (منهج) على نفس المستوى من الجودة لأنها وجدت مع جهل (غياب معرفة) و ميل إلى العشوائية و خسة النفس لغياب الأخلاق كنتيجة لميوعة المرجعية الفكرية في التمايل بين المرجعية العربية و الغربية ، و لطول القهر و التهميش.

- و الغباء السياسي و الإجتماعي النادر الذي تراه في شخصيات ربما حازت على نوبل في العلوم ، مرده إلى أن عقلية هذا الصنف (التكنوقراط) هي عقلية أنبوبية ضيقة مجال الرؤية لكنها شديدة التخصص و الإبداع فيه ،
و (المعارف) عندها معارف "رأسية" ، أي أنهم يصلون بمعلوماتهم الطبيعية التخصصية إلى عنان السماء دون أدنى تمكن من ربط ذلك مع معارف إنسانية و غيبية أخرى ،
لذلك فهو شخص معدوم المنطق و الفلسفة و المنهج (لا مرجعية له) ، و هو غارق حتى أذنيه في دقائق تفاصيل "أنبوبه الفكري" ، و هو طالما ظل هناك كان مثالاً للإبداع ، فإذا ما أجبرته على النظر خارج الأنبوب رأيت منه ما ترى من السمكة إذا خرجت من الماء و ما تراه من شراسة الهرة التي أبعدت عنها رضيعها !!

- و "الرغي الفارغ" الذي تراه ممن توافق الناس على تسميتهم "النخبة" - لأنهم يظهرون في التيليفزيون و في جلسات المزادات السياسية - مرجعه إلى أن هؤلاء يملكون (المنطق و الفلسفة) المستوردة من حضارات أخرى ، دون أن يملكوا منظومة جيدة من (المعارف و الأخلاق) المرتبطة بهذا الوطن و ثقافته و دينه ، لذلك ترى (منهجهم) إما عقيم أو غريب فلا يقبله الناس في الحالتين .  

- و العجب العجاب الذي تراه في أفكار و أفعال "المتأسلمين" مرده أن هؤلاء تم "تلقينهم" فصولاً مجتزأة من (المعارف الشرعية) و (المنهج الإسلامي) ، و لم يعملوا هم عقولهم لإستخراجه أو تطبيقه ،،
و هؤلاء شبه القرآن أقرانهم أيام اليهودية "بالحمير تحمل الأسفار" أي بدواب غبية تحمل درراً مما أنزله الله للناس من علم إلهي دون أن تعيه بالطبع فهي "حمير" ،،
و هم لنقص عقولهم منقوصو الإيمان بالطبيعة (انظر الفقرة أ ) ، لكنهم رغم ذلك يضطرون إلى بذل كل الجهد بالحق و الباطل للمجاهرة بالدفاع عن الدين ، ذلك لأنهم يحملون "البادج" الإسلامي المظهري شكلياً أو إسمياً ، و لا قيمة لهم بدون ذلك البادج ، و لا فن لهم سوى المزايدة على الناس في دين الله و مناطحتهم في فنونهم التي أتقنوها  ،،
و تنفضح تلك المفارقة فيتضح ضيق عقولهم الجاهلة عندما يقعون في مسألة شرعية تحتاج تأصيلاً أو إجتهاداً فقهياً ،
و ينفضح ضعف إيمانهم عندما لا توافق موجبات الشريعة أهوائهم فيتفلتون منها بأباطيل صنعوها في فقه الضرورات و الإستضعاف ، أو يصمتون صمت القبور حتى عن إهانتهم و إستفزاز الآخرين لهم حتى يمر الأمر برمته فيُنسى كأن لم يكن و يبدأون المزايدة على عبيد الله بإسم دينه من جديد !!

  
- أمر آخر كثيراً ما يثير الحيرة ، و هو الأمي أو البسيط الحكيم ،،
و رأيي ان ذلك لا ينتج أبداً عن جهل مع عقل ردىء ، إنما يمكن أن يوجده عقل جيد "فطرياً" رغم ندرة (المعارف) ،،
(فبعقله الجيد) يصنع (منطقاً بسيطاً) ، ثم يضيف إليه بعض (المعارف المركبة) التي يجمعها من البيئة من حوله فينتج (منطقاً مركباً) يمكن بجهد كبير أن يطوره إلى (فلسفة) حياة ، لكنه من الصعوبة بمكان أن يطوره إلى (منهج) متكامل و ذلك لإنعدام وفرة (المعارف المركبة) ،،
و قد يزيد لدى هذا الشخص (إيمان) بالله فينتج ذلك (أخلاقاً) حسنة ، توصل بدورها إلى (صحة نفسية) جيدة وثبات شعوري ،،
و هو بذلك يطور نوع من (المعرفة الأفقية) التي تربط بين أكثر من نوع من العلوم و الخبرات الإنسانية ،،
و هي على عكس (المعرفة الرأسية) المرتفعة للتكنوقراط ،، هي معرفة عرضية منبسطة لتتسع لتستوعب المحيط الإنساني من حولها و إن كانت قليلة الإرتفاع من جراء نقص (المعارف) في كل علم على حده.

كل ذلك يجعل منه ذلك الأمي الذي يتسم (بفلسفة) الحكماء ، و بشاشة (الأتقياء) .

  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق