المشهد الأول : هشام :
شاب ثلاثيني ، مقيم في الشرابية ، و يحمل بكالوريوس التجارة ، و يعمل حلاقاً في صالون يملكه .
هشام تعرض لقصة تجعلك تشعر بغضب لا حدود له جراء تجبر الشرطة السابقة ، لن أروي القصة كاملة الآن و أترك ذلك لوقت آخر ، لكن ملخصها أن هشام تعرض لمكيدة من أمين و ضابط شرطة بتلفيق قضية سلاح و حيازة مخدرات لأنه طلب من الأمين ثمن حلاقته و الكريمات التى يحصل عليها من الصالون ، فقام الأمين بتكسير المحل و تحريز ما دسه لهشام من وسط حطام الصالون.
كان ذلك قبل الثورة ، و تدور أحداث كثيرة تؤدي الى أن يقف هشام في قفص المحكمة في قضيته الملفقة بجوار نفس ضابط الشرطة الذي لفقها له ، و الذي حضر كمتهم في قضية قتل متظاهرين !!! فيشترك مع آخرين في ضرب الضابط حتى أتى الحرس .. رغم أن ذلك حدث بعد الثورة ،، إلا أن الحرس إعتذر لـ "الباشا" و أخذوه ليرتدي زيه الشرطي و يدخل ليحاكم في غرفة مداولة القضاة ، ليحصل بعدها على البراءة ،، بينما يتم حبس هشام حتى يأتي دفاعة بما يفيد بضرورة (إعادة الإجراءات) فيفرج عنه بعد شهور !!!
هشام فقد جميع أسنانه الأمامية و تلقى رصاصة في ساقه في جمعة الغضب 28 يناير 2011 ، و تم علاجه ثم إختطفته الشرطة ، لتودعه وحدة يسيطر عليها الجيش و يقسم لي أنه كان يرى كل السوابق و الهاربين من السجون هناك و أنه كان يتم إلباسهم زي جنود الأمن المركزي ، و يوضعون في الصفوف الأمامية ليضمنوا أكبر أذى للمتظاهرين.
هشام قابلته في صينية ميدان التحرير متأنقاً على أقصى ما يستطيع يوم الجمعة 27 يناير 2012 و قال لي :
"" أنا هنا عشان أشارك في جمعة الغضب الثانية و مستعد للإستشهاد ، عشان ولادي التوأم ما يشوفوش اللى أنا شفته ،، و لابس أحسن حاجة عندي عشان ما يتقالش عني أني بلطجي "" !!
المشهد الثاني : بطلته الأستاذة شهيرة و زميلتها التي نسيت إسمها ،،
قابلتهما أمام بوابة ماسبيرو عندما كنا نتظاهر أمامه في ليلة نفس الجمعة 27 يناير 2012 ،، إختارتا مجموعتي عشوائياً لتقولا لنا :
" نحن محررتان في قطاع الأخبار في مبنى لفساد هذا ،، و نقاسي دخله منذ ستة أشهر من تدخل مندوب الداخلية و رئيس القطاع في تحرير الأخبار ، و اجبار الإعداد على استضافة ضيوف للبرامج من المنتمين للنظام القديم ،، و منع أي شخص من الإتجاهات الثورية .. نعتصم و نكافح لتمرير الأخبار من تحت أنوفهم خصوصاً عندما لا يكونوا متواجدين ،، لكن نقابل بكل أنواع التنكيل المادي و اللفظي و حتى الإعتداء البدني .. ساعدونا نحن من الداخل و أنتم من الخارج ،، سنمدكم بكل وقائع الفساد و أسماء المتورطين ،، لكن لا تتركونا و ترحلوا و تنسوا القضية ،، على الأقل أنشؤا صفحة على الفيسبوك لكشف فضائح فساد ماسبيرو ،، و نحن معكم ،، و لم نعد نخفي أنفسنا بعد اليوم ،، فالثوريون بالمبنى معروفون بالإسم ،، خلاص مفيش حاجة نبكي عليها ،، يا ننضف كلنا ،، يا يفصلونا و لا إن شالله يموتونا حتى "
المشهد الثالث : إتصال تليفوني من عم محمد:
عم محمد موظف حكومي بالمعاش ،، و زوجته ربة منزل ،، يقطنون مع أولادهم في قرية صغيرة بمحافظة زراعية ،، أعتقد أن هذا الوصف قد يراه كثيرون الوصف المثالي لمحبي المجلس العسكري و كارهي الثورة..
عم محمد هو قريبي و يعلم أنني كنت أتظاهر أمام ماسبيرو ، فقال لي :
" شفت أهم جايبين علاء عبد الفتاح عالفضائية أهم ،، مش كانوا بيقولوا عليه مجرم و سارق سلاح ميري من قدام نفس المبنى ده ؟؟ إيه اللى حصل ؟؟ تاب مثلاً ؟؟ و لا هما اللى كدابين و جابوا ورا؟؟ دول ما ينفعش معاهم غير كده ،، خليكوا حوالين المبنى لحد ما يعرفوا الكدابين دول إن في حد هيقفلهم .. مش الكدابين دول اللى قالوا ان اللى قتل الشباب في محمد محمود و مجلس الوزرا كانوا (مندسين) و سط المتظاهرين معاهم مسدسات كاتمة للصوت ؟؟ طب ما الشباب بالملايين في المسيرات و آلافات معتصمين في الميدان و لا حدش (إندس) بينهم و لا حد إتعور حتى في صباعه !!! و لا المندسين دول ما بيشتغلوش إلا لما الجيش بينزل يفرق الإعتصامات ؟؟ جتهم القرف ،، صدق اللي قال عليهم (كاذبون) دول مش بس كاذبون ،، دول (مجرمون) و هيودوا البلد في ستين داهية لو سبناهم يحكمونا ،، خليكوا واقفين في زورهم كده يا ولاد ربنا يحميكوا "
هل تحس الآن بما أحسست أنا به في ذلك اليوم الرائع 27 يناير 2012 ؟؟ رغم ما كان فيه من أشياء تدعوا الى الحزن إلا أنني أعتقد أنه كان أكثر أيامي الثورية تفاؤلاً ..
عشان ولادي التوأم ما يشوفوش اللى أنا شفته ،، و لابس أحسن حاجة عندي عشان ما يتقالش عني أني بلطجي "" !!...كلامه وجع قلبى و أيضا خلانى متفائلة زيك ----------- سارة عاطف
ردحذفسعيد جدا لهذا التأثير
ردحذفربنا يرحمنا و يهدينا للحق و يقينا شر الفتنة و اللأيس من رحمته
" و لابس أحسن حاجة عندي عشان ما يتقالش عني أني بلطجي"
ردحذفهذه الجملة التي كررها الكثير من بسطاء الثوار تدمع عيناي لها
و دائما ما يهتف قلبي و يقول " و الله أني لأحسبكم خيرا مني و من كل كثير من الميسورين من الثوار، فالثمن الذي دفعتموه قبل و أثناء و بعد الثورة أكبر منا بكثير....أنا فخورة بكم و أعتز بكم و شرف لي أني أقف بجواركم في الميدان....ميدان الشرفاء...ميدان المخلصين....ميدان الأبطال.....ميدان الشهداء"
جزاك الله خيرا يا دكتور لنقلك هذه المشاهد الرائعة و المؤثرة لنا