اللهم إرحم شهدائنا و إقبل عطائهم لأغلى ما ملكوا خالصاً لوجهك و نقه من كل
ما يشوبه ، و ألهم أهاليهم و أحبائهم الصبر و الرضا ،
فخير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ، و سيد الشهداء حمزة و رجل قام إلى
إمام ظالم فأمره و نهاه فقتله ذلك الحاكم .
لكن كم عدد هؤلاء الشهداء
؟!
و كيف نعرفهم ؟!
و كيف يكون القصاص لهم ؟
أسئلة تؤرق عقول و ضمائر ملايين البشر ،،
أسئلة لم يجبها المسؤول ،
و لم يجرؤ على إجابتها العارفون ، و إكتفوا إما بالصمت أو بالعوم على الهوى العام
حتى و لو كان خاطئاً .
لذلك فاليوم سأناقش إطار
مسألة الشهداء بأكثر مما سأتناول محتواه ، ذلك أني أرى خلطاً شديداً يسود عند نقاش
هذه المسألة ،
فغزارة المشاعر عند تناول
مسألة الشهداء ، وتدخل كثير من الأطراف للتعامل مع حقوق الشهداء سواءاًبحسن نية أو
تعمد للتضليل ، و ضبابية التعامل القانوني و الفقهي للمسألة ، كلها تخلق ذلك الخلط.
* السؤال الأول :
كم عدد من نحتسبهم عند
الله شهداء في ثورتنا ؟
- يقول ربنا عز و جل : {
من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً } ، فما قيمة العدد إذاً ؟!
- هل نفس واحدة
رخيصة ؟!
- هل من يقتل نفساً نقتص
بقتله مرة ، و من يقتل ألفاً سنقتله ألف مرة ؟!
- حسناً هل
مئة ألف نفس غالية على نصرة قضية حق ؟!
لا أعتقد ،، و لا
أعتقد أنه من صالح الثورة أن تفاخر أو تحاول إكثار تقييم عدد شهدائها ،
لا
تجعلوا شهداءكم أرقاماً فيتحولوا لسلعة ، فتهون عليكم و يتاجر بها عدوكم إن هو قتل منكم فقط عدداً يعد
على الأصابع !!
* ثم السؤال
الثاني :
من هو الشهيد ؟
- هل الشهادة تحتسب على
أساس أي دين
توفي عليه الشهيد ؟
- هل تحتسب على الموقف أو التوقيت
الذي توفي فيه الشهيد ؟
- هل هي متعلقة بالحالة
التي توفي عليها أو الصحبة
التي توفي بينهم ؟
الإجابة على هذه الأسئلة
في الحقيقة هي على ما أرى إجابة بسيطة قصيرة و صادمة و هي :
و إنت
مالك ؟!
- من قال أنك أنت من يصنف الناس هل ماتوا على حق أم على باطل ؟
- من قال أنك أنت من تقرر من مات في سبيل الحق يكون شهيداً لو
أصابته رصاصة ، بينما يكون قتيلاً لوأصابته أزمة قلبية ؟
إن الإشكالية الفقهية
الوحيدة التي تطرح نفسها لتقييم
هل المتوفى شهيد أم لا هي إشكالية الغسل و التكفين ، فالشهيد لا يغسل و يدفن
بملابسه على عكس كل الآخرين،
و الإشكالية القانونية
الوحيدة التي يحتاج الناس فيها
لتصنيف الشهيد عن غيره هي إشكالية التكريم والمعاش المستحق لعائلته ،،
و في الحالتين ينص الشرع
و القانون على أن البشر يستطيعون إحتساب قتلاهم شهداء فقط في حالةالمعركة أو
الإعداد لها ،،
وفي هذه الحالة فالفقه و كذلك القانون لايحددان من ينال أجر و فضل الشهادة في الآخرة
و من لا يحرم منهما ،
لا يؤكدأن قتيل المعركة
شهيد بالضرورة فقد يكون تورط في معركة لا يؤمن بها ، و لا ينفيان أن من مات على
فراشه لا ينال أجر الشهادة فربما كان مستحضراً لنيتها ،
كل ما هنالك إنهما يحددان
"طريقة اجرائية"
للتعامل مع حادث وفاة في ظرف إستثنائي !
* يقول سبحانه وتعالى{ أهم يقسمون رحمة ربك
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم
بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون }
( سورة الزخرف الآية 32)
في هذه الآية نهي واضح عن
التألي على الله بتحديد ما لا يملك تحديده إلا الله ،
نهي بإستنكار تقرير ما لا
يملك تقريره إلا الله ،
و من أعظم ما لا يملك
تقريره إلا الله مصيرالناس عند و بعد الحساب .
فأمر منح أجر الشهادة من
عدمه أمر بيد من يحاسب ،،
و ذلك المنح مرتبط أصلاً
بالنية ،، و النية لا يطّلع عليها إلا خالق القلوب و العالم بأسرارها ؟؟
- فلنسأل أنفسنا :هل لو منح الحاكم أو
الإعلام ، أو غيرهم - كما يناضل من أجله كثيرين هذه الأيام - فلاناً لقب "شهيد" هل ذلك إلزام لله
- تعالى وتكبر- أن يغفر له ؟!
ولو سحب ذلك الحاكم اللقب
من أحد من فقدناهم ، فستكون فرص هذا المتوفى قليلة فى رحمة الله ؟!
حاشا و كلا أن تكون إرادة
البشر ملزمة لإرادة الخالق المتعالي .
- لقد أمرنا أن لا نزكى
أحداً على الله ،، فمن باب أولى أن
نمتنع عن التألي على الله و إساءة الأدب معه عز وجل بأن نسبق أسماء موتانا بلقب "الشهيد"
أو "المرحوم " ،،
من كان منكم ذاكراً بطلاً
ضحى بحياته من أجل الحق ، أو داعياً لحبيب فقده فليتمنى على الله له حسن الجزاء
قائلاً "نحتسبه شهيدا عند
الله "أو "
المغفور له باذن الله" .
* يبقى السؤال الثالث و الأكثر أهمية :
كيف نقتص لمن نحتسبهم عند الله
شهداء من أبطال ثورتنا و أيقوناتها الذين حررت دمائهم إرادة ملايين عاشوا و هم
معتقدون أنه لا حقوق لهم و لا إمكانية للمطالبة بهذه الحقوق ؟!
- حقيقة الأمر أنه لسنا نحن من سننصر الشهداء فهم عند ربهم اليوم أحياء مكرمون ،
بل نحن من نحتاج
إليهم فقد وعد الله الشهيد أن يشفعه في سبعين من أهله يوم القيامة ،،
- و النقطة الغائبة
أو التي يتغافل عنها الناس أنه
لا قصاص لشهيد المعركة !!
هل سمعتم أن دولة
بعد معركة طلبت القصاص من الدولة العدو فطالبتها بتسليم الجنود الذين حاربوا و
قتلوا شهدائها ؟!
هل رأيتم أهالي من
نحسبهم شهداء في حرب أكتوبر يطالبون بالقصاص ؟!
هل سمعتم عن محاكمة
لهتلر بتهمة قتل جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ؟!
- قصاص الشهيد هو
إنتصار قضيته ،،
قصاص شهداء 67 و 73
هو تحرير الأرض من الصهاينة ،
و قصاص شهداء الثورة
هو (عيش - حرية - عدالة إجتماعية) !!
* لن تنتصروا لحق الشهيد
حتى تنتصروا للقضية التي بذل روحه من أجلها ، و لن تكفل أسر شهداء ثورتنا حتى تقوم
دولة العدل التي حلم الشهيد بها لأنها هي التي ستكرم عائلته ،،
و هنا تظهر الإشكالية :
كيف سنفعل ذلك و قد إستحال بعد "نهب" الثورة من حاكم لا يمت للثورة بصلة
، مستخدماً في ذلك النهب "قانون" ثار الناس ضده أصلاً ؟!
فلن تنتصر القضية التي
حارب من أجلها الشهيد إلا عندما يكون هناك "حاكم
شرعي ثوري" ،
و شرعية
الحاكم ليست مطلقة بلا حدود كما يصور أفاكو
السلطان و جهلة المجتمع ،،
و شرعية
الحاكم ليست "مـيراثـاً" من إستحقها حق له أن يفعل
بها ما يشاء فقد إمتلكها ،،
إنما شرعية الحاكم هي
"عقد إدارة" يطالب المقصر فيه بشرط
جزائي عند الفشل في التنفيذ ،
و يفسخ تلقائياً عند الإخلال بأحد بنوده
الأساسية !
فشرعية الحاكم و إن كان
مصدرها إختيار الشعب لكنها مقيدة بضلوعه بمسؤلياته
في إطار القانون ، و من أهم هذه
المسؤوليات القصاص للمظلوم .
- و كما أسلفت فالقصاص لشهداء الثورة هو الإنتصار لأهداف الثورة ،،
لكن يزيد عليه أمران آخران لطبيعة كون الثورة - بشكل أو بآخر - يمكن إحتسابها حرب داخلية :
لكن يزيد عليه أمران آخران لطبيعة كون الثورة - بشكل أو بآخر - يمكن إحتسابها حرب داخلية :
- الأمر الأول :
هو ردع المجرم و إقصائه عن عن موقعه ،، ففي ذلك إنتصار لأبطال الثورة من شهداء و
مصابين و أسرى ، و كذلك منع له من إضافة المزيد من الضحايا بموجب سلطته التي إحتفظ
بها بل و ربما تمت زيادتها !!
- و الأمر الثاني : هو صنع آلية وطنية شفافة لتغيير القانون الذي ثار عليه الثوار ،، لأنه إذا فشل القانون فيجب أن يسعى الحاكم لتغييره ، فقداسة القانون تستمد من قدرته على حفظ حقوق الناس ، و يستمد القانون هيبته من رضا المجتمع عنه ، فإذا فشل في جلب الحقوق ، و حاز سخط المجتمع أصبحت قيمته لا تزيد على قيمة الورق الذي كتب عليه و الحبر الذي كتب به ، فهو مجرد منتج إنساني آخر فشل في مهمته فما الداعي لتقديسه ؟
- شهداء الثورة لم يثوروا
على شخص بعينه ، إنما ثاروا على نظام حكم
كامل ، فالثورة كانت على الفسدة و آلياتهم الفاسدة ، ثورة على الحاكم و دستوره و
قوانينه،
فكيف نناشد القضاء أن
ينتصر لحقوق الشهداء لو كان القضاء كمنظومة من أشخاص و قوانين و آليات للتقاضي و
إصدار الحكم و تنفيذه وسيلة جيدة لإسترداد الحقوق المسلوبة ، لإستطاع الناس أن
يحفظوا حقوقهم بإستخدام هذه المنظومة و ما كانوا إحتاجوا إلى ثورة !!
- لكن ما يحصل اليوم هو
أن الحاكم يتاجر بدماء الشهداء في كل خطاب و قرار له ،، يصدرها كأولوية يدعي
التشبث بها و هو من يضيف إلى من فقدنا من أبطالنا قتلى و مصابين بل و أسرى جدد !!
و يتاجر بالقانون تارة
بالدعوة لإحترامه عندما يكون في صالح نظام حكمه ، و تارة بمحاولة إرهاب حراس
القانون و تخوينهم إن كانت أحكامهم تتعارض مع مشروعه الغامض لحكم هذا الوطن !!
فأي نفاق هذا ؟
* كل هذه المقدمة طويلة فقط
لأوصل جمل قصيرة أود أن أشارككم بها و فيها أقول:
- أن المحارب الحق لا
ينتظر الشفقة من عدوه فنظرة الإستهانة في عين العدو تقتله قبل أن تقتله رصاصاته ،
- و المحارب الحق يعلم أن
ثمن الشهادة ينتظره في الآخرة لا في صندوق اللواء الفنجري !!
- و حق الشهيد لن يأتي
إلا بإنتصار ثورته التي لم تكتمل إلى اليوم ، لن يأتي إلا بقدوم حاكم ينتصر له بأن
ينصر قضيته ، و يكفل من كان يعول ، و يواسي أحباء ذلك الشهيد ،،
- فحددوا من هو العدو و من
الصديق ،، ثم بعدها : لا تنتظر أبداً الرحمة من عدوك و
لا التعاطف من قاتلك ،،
لا تعفو ،، فالعفو في غير وقت مقدرة
"وضــاعة" ،،
ولا ترحم ،، فرحمتك للمجرم مستمر الإفساد
"جــبن" ،،
ولا تُسامح ،، فتسامحك مع منتهكك "عــار"
- إنتظار النبل
من الخسيس حماقة ،، و الإعتماد على نخوة من الجبان سفاهة ،، و توقع الكياسة من الأحمق
بلاهة !!
- المجرم قتل
شهدائنا مرة بسلاحه ، و نحن نقتلهم مرتين ، مرة بطلب المعونة من القاتل ، و مرة
بتمييع القضية التي بذلوا أرواحهم من أجلها .
- إذا يوماً إحتسبتموني
شهيداً في سبيل قضية حسبتموها على حق ، فستسعد روحي لو جعلتم أولوية نصرة تلك
القضية سابقة على محاولتكم عقاب من قتلني !!
أستردوا ثورتكم المنهوبة
و أكملوها يرحمكم الله !!
عرض وطرح جيد
ردحذفلكن فيه نقطة
القصاص من القتلة.. ليس المقصود به أنه "هدف". في حد ذاته، بل هو "جزء" من الثورة ومن اهدافها وهو العدل.
لأن ما حدث لم يكن قتل في حرب وإنما قتل في تظاهر سلمي.
والفارق كبير بين الاثنين.
هنا طرف أعزل.. والآخر مسلح، وفي سياق احتجاج عادي في الشارع.
بينما هناك طرفان كلاهما مسلح وفي سياق قتال.
القصاص من القتلة وقناصي العيون وهو في نظري جزء أصيل من ثورة يناير وأهدافها وإن لم يكن بالطبع هو نهاية المطاف أو كل شيء.
أشكرك و أوافقك ،، و أدعوك لإعادة قراءة هذه الفقرة:
حذف- و كما أسلفت فالقصاص لشهداء الثورة هو الإنتصار لأهداف الثورة ،، كن يزيد عليه أمران آخران لطبيعة كون الثورة - بشكل أو بآخر - يمكن إحتسابها حرب داخلية ،،
الأمر الأول : هو ردع المجرم و إقصائه عن عن موقعه ،، ففي ذلك إنتصار لأبطال الثورة من شهداء و مصابين و أسرى ، و كذلك منع له من إضافة المزيد من الضحايا بموجب سلطته التي إحتفظ بها بل و ربما تمت زيادتها !!
و الأمر الثاني : هو صنع آلية وطنية شفافة لتغيير القانون الذي ثار عليه الثوار ،، لأنه إذا فشل القانون فيجب أن يسعى الحاكم لتغييره ، فقداسة القانون تستمد من قدرته على حفظ حقوق الناس ، و يستمد القانون هيبته من رضا المجتمع عنه ، فإذا فشل في جلب الحقوق ، و حاز سخط المجتمع أصبحت قيمته لا تزيد على قيمة الورق الذي كتب عليه و الحبر الذي كتب به ، فهو مجرد منتج إنساني آخر فشل في مهمته فما الداعي لتقديسه ؟
- شهداء الثورة لم يثوروا على شخص بعينه ، إنما ثاروا على نظام حكم كامل ، فالثورة كانت على الفسدة و آلياتهم الفاسدة ، ثورة على الحاكم و دستوره و قوانينه،
فكيف نناشد القضاء أن ينتصر لحقوق الشهداء لو كان القضاء كمنظومة من أشخاص و قوانين و آليات للتقاضي و إصدار الحكم و تنفيذه وسيلة جيدة لإسترداد الحقوق المسلوبة ، لإستطاع الناس أن يحفظوا حقوقهم بإستخدام هذه المنظومة و ما كانوا إحتاجوا إلى ثورة !!