* كيف يمتلك المسلمون كل هذا الكنز الفلسفي
الأخلاقي الرباني و يكونوا أجهل أهل الأرض و أرذلهم أخلاقاً ؟!
السبب
الذي يصرف العجب هو أن المسلمين مقارنة إلى غيرهم - هم في رأيي - كورثة عالِم فذ و
مناضل مغوار مقارنة إلى ورثة رجل عادي أو هامشي أو حتى فاشل ،، و لهذا يحدث ما
نستغربه ،،
- فأبناء العاديون و الهامشيون و الفشلة عادة في
حاجة إلى حياة أفضل من التي أمنتها لهم تلك الأنواع من الآباء ،
و الحاجة أم الإختراع ،
لذا فهم إن طلبوا النجاح كان لزاماً عليهم أولاً
أن يعتمدوا على أنفسهم عقلاً و جسداً ، ثم أن يجتهدوا بأقصى ما يستطيعون لتحقيق
طموح عالٍ رسموه لأنفسهم ،،
- أما
أبناء العالِم المغوار فهم يأمنون لرعاية والد حكيم ، و يحتمون بشهرته و مريديه ،
و يصلوا إلى حاجاتهم إما ببعض مال كسبه الأب من علمه أو ببعض عون من تقدير أشخاص
لقيمة والدهم ،،
فإذا كان هذا الأب رجل حق فسيموت عادة ميتة
الغرباء ، و لن يجد له من بعده من يرعى عياله فهو بالتاكيد قد عادى كثيرين بمقولة
حق في زمن شاع فيه الفساد ،،
عندها سيعلم إبناؤه أنهم أصبحوا في الدنيا بلا بشر
حارس و لا مال مكنوز ،، لكنهم سيرثون
علماً مكتوباً و خُلقاً كريماً لا يقدر بمال ،،
- في الأحيان الأغلب سيكون الإبن - لطول فترة
إعتماده الكامل على والده - من نوع الكائنات "التابعة أو
الطفيلية" ، و سيكتشف أنه لم
يُعد نفسه كإنسان مستقل ، فيعيش حياة بين الضياع و الإنحدار ماراً - كمعظم من يمر بمحنة فارقة - (بالإنكار ، الغضب ،
الإكتئاب ، التعايش )
- و في أحيان كثيرة سيحاول أبناء الفذ المغوار أن يتعيّشوا من نشر علم والدهم و سيرته ،، أحياناً سيتجاوزون للمتاجرة بهما لو لم يكن للقراءة زبائن كثيرون كحالنا اليوم ،
- و على أحسن الأحوال سيعيش هؤلاء الأبناء في الظل مقارنة بلمعة شهرة
والدهم ، مع ذلك سيشقون طريقهم بعملهم سواءاً
في طريق جديد أو على نفس خطى ذلك الوالد ،
* و هذا هو حال "ورثة" التركة الإسلامية
:
- فأغلبية
عوام المسلمين و أنصاف علمائهم يستقرون أو يتدرجون بين المراتب الأربعة
لرد الفعل على المصائب :
. فيعيش أكثرهم - دون مبرر منطقي - في مرحلة (الإنكار) لكل تشكيك أو تجديد في الدين بحق أو بباطل على حد سواء ،، إنه نفس
جمود الإنكار في : {هذا ما وجدنا عليه آباءنا} ،،
. و يزيد بعضهم - دون مبرر منطقي - ليصل إلى مرحلة (الغضب) ليدمر ما حوله مخالفاً حتى أوامر و نواهي دينه ذاته : ( مدمري
حملات "إلا رسول الله" ، و الموجة الجديدة من عشاق فكر القاعدة دون
إطلاع لكن فقط كرد فعل على عنف الطرف الآخر ) ،،
. و أحياناً ما يتطور الأمر مع البعض - لغياب
التفسير المنطقي للإشكاليات إلى (الإكتئاب الديني ) في صورة جحود بالدين ذاته : (موجات الإلحاد التي زادت حالياً ) ،،
. و آخرين قد ينتقلون من إحدى تلك المراحل إلى
مرحلة (التعايش) أو يبدأون بها
أولياً ، فيجعلون الدين الذي جبلوا و تربوا على الإلتزام به في ذيل أولوياتهم ، و
يتحول لديهم فقط لمجموعة طقوس تنحصر في صلاة العيدين و صوم نهار رمضان مع قضاء
لياليه مع راقصات الخيم الرمضانية !!
- و كثيراً ما نرى من يتعيّشون من نشر و تشكيل و
إعادة تدوير نفس الإرث (مئات آلاف الشروح و التنقيحات و الترجمات لشروح و تنقيحات و
ترجمات سابقة للحديث و التفاسير و مذاهب
الفقه و رجالهم ، في أبحاث عشرات الجامعات الأزهرية و الخليجية و الماليزية ، و
كتابات آلاف خريجي معاهد الدعوة السلفية ، كل ذلك بدون منتج حقيقي يقدم جديداً
يخدم الواقع أو يزيل إشكالاً سابقاً لم يفصل فيه السابقون) ،،
. و كثيراً أيضاً ما نرى من يتاجرون بهذا الإرث عن
حق و عن باطل إما لأنهم عدموا المستمع أو عدموا العلم ذاته ، فحولوا الإرث
الإسلامي لمجرد شعار يتحزب الناس له أو ضده بلا وعي أو معرفة (الإسلامجية بكل أشكالهم
، و أولهم و أفسدهم حركة الإخوان و ما إنبثق عنها بشمال أفريقيا و بنجلاديش ) ،،
- و نادراً ما تجد منهم الناجح ،،
. الناجح الذي سار في طريق جديد بعيداً عن إرثه
متبنياً منظومة أسرة جديدة (علماء العرب في دول الغرب الذين أصبح الإسلام بالنسبة لكثيرهم
إنتماء روحاني فقط) ،،
. أو الناجح على نفس درب أسلافه لكن بخطىً ناجحة ( فلاسفة الإسلام
المعاصر مثل مصطفى محمود و عبد الوهاب المسيري ) ،،
و حتى تصبح الندرة الأخيرة كثرة ، أو حتى تُمكن تلك الندرة
من تحريك المجتمعات المسلمة فلن يكون للإسلام صوت مسموع في هذا العالم .
* من المؤلمات في إنتمائنا لأمة العرب و أمة
الإسلام أن الأمتين تشتركان في تلك الصفة الصانعة للتخلف ( العيش على الإرث دون
إنتاج ) ،،
- فالعرب يعيشون على ريع إرث أسلافهم من آثار صنعها عرق الإجداد أو آبار بترول صنعتها جثثهم !
فإذا ما لم يكفهم ذلك باعوا أملاكهم - و ليس إنتاجهم - من أرض ، و عرض سياسي ، و مواد خام ، بل وحتى لحومهم لتصبح بعض بلادنا مركزاً للسخرة (الأيدي العاملة الرخيصة
معدومة الحقوق ) ، و للرقيق الأبيض ( زواج القاصرات لعواجيز
الخليج ) ، بل و حتى لتجارة الأعضاء
البشرية (عصابات كان يديرها وزير داخليتنا السابق المجرم العادلي ذاته ) !!
- و المسلمون على الجانب الآخر يعيشون على مباهاة جميع الحضارات الحالية بإرثهم الإسلامي النفيس الذي لا يفهمونه !
أو يعيشون على التحذلق و التفلسف بتعقيد ذلك الإرث إلى كتل فقهية صورية غالباً مبنية على أهواء أو
أفهام معيبة فلا يمكن الإستفادة بها ،،
أو يعيشون بعيداً عن هذا و ذاك في راحة و دعة عن مجاراة الخلق في الحياة إطمئناناً إلى قوة المنهج و العقيدة ، و وهماً من عند أنفسهم أن الله لابد ناصرهم في النهاية مهما
قعدوا عن (و أعدوا ) ، أو أهملوا ( حتى يغيروا ما
بأنفسهم ) ، أو بعدوا عن ( مكارم الأخلاق ) التي نزلت رسالة الإسلام أصلاً لإتمامها !!
* قاتل الله الجهالة ، و قبح الله خسَّة النفس و
الطموح ،،
و صدق رسولنا الكريم عليه الصلاة و التسليم الذي دعى
ربه قائلاً :
(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ،
وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق