لقدرات العقل التحليلية و الاستنتاجية درجات يمكننا إختزالها بين حدي الغباء و الذكاء ،،
فالذكي يحترم عقله و يأبى أن تملى عليه ارادة أخرى سواءاً بأمر مباشر أو بخداع مقنع بوهم اختياره الشخصي ،،
أما الغبي فيحتاج لأن يفكر له غيره فيبحث عن هذا الملاذ:
1 – فمن كان على ادنى درجات الغباءاً يجد ذلك في طاعة السلطان و استيراد أوامره ايا ما كانت ليقدمها كوجهة نظر شخصية له "المواطنون الشرفاء"
2 - الأقل غباءاً يبحث لمدة خمس دقائق أكثر "فيتكعبل" في الدين ،، فتطيب نفسه لفكرة أنه وجد اليقين في الدنيا و النعيم في الآخرة فيبحث عن أول ملتحى يقابله ليكون كاهنه ، أو يستمع الى قناة الناس لتصبح له المصدر الأساسي للتشريع "الملتحين التايواني اللذين يسيئون للملتزمين الحق لخلط الناس بينهما لتماثل الهيئة و الألفاظ"
*** من يتخطى حاجز الغباء يصطدم بكون الدين يحمل كثيرا من الالزام ،، فيأبى عقله ،، و هنا يأتى دور الظروف المحيطة به من ثقافة مجتمعية ، أو مستوى تعليم ، أو وفرة مادية ، أو تراث فكري أسري.
3 - فإن كان ممن لا يؤرقهم كثيراً منطق الأشياء و تعلم من ظروف حياته من تربية او حرمان او ترف الا يبالي الا بكيفية تحقيق ما تشتهى نفسه : فيستبدل بعبوديته لخالقه أو تبعيته لمتميز عقول البشر طوق امتلاك شهواته المباحة لجهده و عقله ، فيصبح كالآلة ، غزير الانتاج مسلوب الارادة في مواجهة شهواته ، فيكرس حياته لتوفير تمويل لذلك " من تستغرب كونهم أطباء و أساتذة جامعة و مشاهير و هم بلا هوية و لا موقف في ما تطرح عليهم من أمور الحياة" و أولئك هم "خواص العوام" .
4 - و إن كان من غير هؤلاء بحث فيما "اتيح" حوله اما من تعليم او اعلام او اسرته او اصدقائه او قراءات – وهي في معظم الأحوال مقترحة من هؤلاء – و الناتج يعتمد على خلطة ذكائه مع ما اتيح له من تلك لمصادر . قد يولد لأسرة اشتراكية ، أو يتتلمذ في مسجد حيه على يد شيخ متوسط العلم ، أو يسافر ليحصل على شهادة في انظمة الحكم من جامعة غربية بدون أي معارف او تجارب انسانية مميزة ، و الأكثرية هم مجتهدون ذوو عقول جيدة و لكن كل ادوات اجتهادهم هو تعليم و اعلام سوزان ثابت و من قبلها مخابرات سامي شرف !!
فينتج ما تراه من "عوام الخواص" اللذين تلمع عيناك من فرط الاعجاب بهم في مقام ، و تتبرم مستنكراً لما يأتون في موقف آخر "و هؤلاء تكتظ بهم وسائل الاعلام" ،،
و يكون الفرد من كل الأنواع السابقة في معظم الأحوال منتجاً لبيئته ، او لأول قراءاته ، او لأول فصيل سياسي اعجب به . و نما و هو يحمل الولاء لذلك اللواء ،
فما أن يشب عن الطوق و يصبح فرداً يحكم له المجتمع باستحقاق ابداء الرأي او اتخاذ القرار لسن قد بلغه أو علم قد اكتسبه ، تجده يعيد تدوير و انتاج فكر كان هو نفسه أحد منتجاته و يستميت في الدفاع عنه ،و سبب ذلك شديد البساطة و هو أنه اذا سقطت تلك الفكرة فهي سقوط لتكوينه و تاريخه و دون ذلك الموت لمن يخاف على كيانه أو يحترم نفسه ، فيقدم تلك الأفكار كأنها الحقيقة المطلقة لا لشيء الا لأحد سببين : إما أنه لم يتعرف أبداً على ماهو أفضل ، تماما كما لا يمكن للناظر الى الأفق أن يتخيل أن وراء منتهى نظره شيىء آخر إن كان لا يعرف بكروية الأرض ، أو أنه تعرف عليه في وقت غير مناسب ، كمن ينصحه الطبيب بأهمية الرياضة لبناء الجسد و هو في السبعين من عمره!
5 - و في ما أرى عن عقيدة راسخة أنه من أكرمه الله للتعرف الى الدين الحق في "وقت مناسب" مصادفاً مع ذلك نعمة عقل مبدع ، فهو "الخاصة و النخبة الحقيقية" ، فهو يصل الى درجة يعلم فيها أن عقله اللذي يحترم منطقه لا يخالفه الدين في شيئ ،، و ما التبس عليه فهمه علم من خبرته بذلك الإلتباس أن مرده إما الى قصور في فهمه لأمر ما ، أو أن علم البشر لم يصل "بعد" الى أدوات فهم ذلك الأمر.
و هو لا يصل الى بر ذلك "اليقين" الا بعد المرور بأمواج عاتية في بحار "الشك" ، و على هؤلاء ينعم الله بنعمة لا يعلمها الا من تذوقها و هي صفاء الفهم مع ارتضاء الطاعة ، و هنا يصل أفضل العقول على الاطلاق الى الفكرة الأعلى و هي طاعة صانعه ، و يتمتع باللذة الأعظم بتذوق توافق ارادة عقله مع ما امره به الأعلى الأعلم الأعظم ،، وهنا يكون الحب بين العبد و ربه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق