الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الكبر و الغباوة المصرية بين نزيف غرفة الإستقبال و مهالك سياسة الإستهبال





* أرى هذا الوطن - من عيني كطبيب - تماماً كمريض جاهل ، مسن ، مبتلى بأمراض مزمنة ، و هو أيضاً في هذه اللحظة ضحية حادث إعتداء ينزف من طعنات متعددة ،،

- و بينما الطبيب المعالج مهتم بترتيب أولويات علاجه ،،
و بإستقرار دورته الدموية حتى لا يموت من النزيف ،،
و بتقييم خطورة الجروح و هل أصابت أنسجة مهمة أم لا ،
و بتوفيق الجراحات و الأدوية التي سيستخدمها في العلاج مع حالات المريض المزمنة السابقة ،،

بينما هو يفعل كل ذلك يصيح المريض بأحدى الجملتين الغبيتين اللتان تذهبان بعقل الطبيب حينها :
"أنا مباخدش حقن مهما حصل" ،، "الجرح ده هيبقى كام غرزة ؟" !!!

- رد الفعل الطبيعي قد يتراوح بين الشفقة برد مريح و بين الشخط بلفظ قبيح ،، مروراً بالصمت أو الإبتسامة الصفراء !!!

- و رد الفعل الطبيعي للمريض على رد الفعل السابق قد يكون الإستسلام أو مزيداً من السخافة متراوحاً بين الصمت و بين "إنت دكتور حمار و مش عاوزك تعالجني" !!!

- و عند الوصول لمستوى الجملة الأخيرة أو ما شابهها من ألفاظ أو حتى نظرات أفضل - أنا شخصياً - التوقف عن علاج المريض ،،
ثم شرح حالته له بإختصار و ما قررت أن أعالجها به ،،
ثم أطالبه بأحد خيارين :
إما أن يمنع الكلام و الحركة تماماً لأكمل عملي ،،
أو أن يترك المستشفى بعد أن يوقع لي على إقرار "خروج حسب رغبة المريض" من المستشفى حتى أحفظ "حقي" في عدم مسائلتي قانوناً على سماحي له بالخروج !!

- عادة هذا المريض سيقع في مشكلة من إثنين حسب مستوى كبره :

إما سيذهب إلى بيته مغاضباً فيموت من جراء الإصابة أو من جراء مضاعفاتها ،،
أو سيتلقفه "نصاب طب" في حجر ما ليعالجه بمزيج من الجهل و النصب !!


* اليوم ما يحدث في هذا الوطن يشبه ما يحدث في كل غرفة طوارىء في مصر مهما إختلفت الحالة المادية و الديموغرافية :

- مريض ينازع لكنه "فكيك" و أكثر كبراً من أن ينصاع لنصيحة المختص ،،
أو "جاهل" و أغبى من أن يستوعب أن هناك خطر على حياته لو لم يتبع رأي من هو أعلم منه في أمر صحته !!

* الناس تخطىء في إختياراتها السياسية ،،

- فيتبرع "نخبة" منهم ليرشدوهم ،،

- فيستكبر الناس بمزيج من "الفكاكة" و "الجهل" عن سماع النصيحة ،
و يتبعون إما أهوائهم ،
أو يتبعون من بيده "عصا" السلطة ،
أو يتبعون من يملك "جزرة" الزيت و السكر ،
أو يتبعون من "ينصب" عليهم بإسم الدين ، عن كل دين أتحدث !!

- ثم يذوق الناس ويلات إختياراتهم "فيكابرون" لفترة ،

- ثم تصبح المعاناة مرة لدرجة لا يمكن معها أن تحتفظ بإبتسامة المجاملة - التي تتصنعها و أنت تمضغ طعاماً مقرفاً في عزومة قدمها لك مدير عملك - ، فيلقون اللوم على "النخبة" أنها لم "توعيهم" بالقدر الكافي !!

- ثم يذكرهم النخبة أنهم وعوهم لكنهم كانوا منهم يسخرون ، فلا يجد الناس حلاً سوى أن "يسبوا" النخبة ! تماماً كما وصف المريض الطبيب بأنه "حمار" ،، ثم "يرفص" الناس في وجه نخبتهم بأي حجة كانت ، و لتكن قلة تدين هذه النخبة مثلاً !!

- و حينها سيتلقف الناس "نصاب سياسة" فيغريهم بأنه "شعبي" مثلهم و ليس متكبراً مثل النخبة ، و أنه "بتاع ربنا" و ليس فاجراً مثل النخبة ، فيطيعوه فقط من باب "تغطية خيبتهم" لأنهم على أي الأحوال لا يستطيعون "علاج" مشاكلهم بنفسهم و في نفس الوقت خسروا "طبيباً" نابهاً يتمنون لو يرجعون إليه لكنهم سدوا على أنفسهم ذلك الطريق بأن وصفوه بأنه "حمار" !!


* لا بد - إن كان هناك أمل في العلاج أصلاً -  أن يستسلم هذا الوطن لأطبائه الذين ينصحونه بناءاً على علم ،، و ليس بناءاً على إستغلال فقر أو مشاعر ،،
و كثير من هؤلاء الأطباء يؤدي عمله بغير إنتظار شكر و لا مكافأة من مريض ، فلا ترهق نفسك عزيزي المواطن بحساب أتعابه فهم متنازلون عنها !!

* و عن نفسي - كطبيب أشخاص و مجتمعات كما أحسب نفسي -  سأتعامل مع الواقع "المريض" لحال هذا الوطن بنفس طريقة تعاملي مع المصاب في المثال السابق تماماً :

- سأحاول بذل قصارى جهدي بتعاطف و تفانٍ حتى و لو لم يطلب مني المريض ذلك ،،

- ثم سأحاول "ما إستطعت" حسب الوقت المتاح أن أشرح له حالته و خطتي لعلاجها ،،

- فإن تقبل عملت مرة أخرى بأقصى جهدي المتعاطف و سأزيده كل ما لدي من تفانٍ،،

- و إن كابر فسأنصحه بشرح وافٍ و نصيحة ودودة ،،

- و إن "إستحمر" فسأتوقف عن النصيحة ، و سألتفت لنفسي فقط مطالباً بحقي الشخصي في هذا الوطن ،،

و لن تأخذني بأي مكابر أو غبي شفقة أبداً ،،
بل على العكس سأتمنى له الشر ،،
ليس إنتقاماً لشخصي و مهنتي ،،
و لكن رغبة مني أن يتخلص منه المجتمع ، فتزيد نسبة المتحضرين إلى نسبة الدواب في هذه الزريبة الكبيرة ،،
علها يوماً تصبح مكاناً مناسباً لمعيشة البشر لا البهائم !!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق