الجمعة، 14 ديسمبر 2012

إحسان الظن بالحكام ، بين حمق السذج ، و جبن الكسالى عن التغيير ، و الخلق الطيب بالثقة في الآخرين








* هناك فرق بين البلاهة و إحسان الظن ،، قد يختلط على الكثيرين قيمتان في فلسفة الإسلام و هما (المؤمن كـيِّـسٌ فـطِـن) و (إلتمس لأخيك سبعين عذراً) ،،
و هذا الخلط خلط متكرر لمن يحاول النظر للإسلام كمنهج جامد ثنائي الأبعاد و لا يستطيع إدراك عمق أو ديناميكية الفلسفة الإسلامية ،،

ستجد أمثلة كثيرة لهذا الخلط تراها في عدم إدراك "التكامل" و ليس "التضاد" بين :

- آيات الأمر بالسعي في الأرض و إعمارها و طلب الرزق ،، و بين آيات الزهد و ترك متاع الدنيا الزائل !!
- آيات تحض على التراحم و العفو و اللين ،، و بين آيات القصاص و الجهاد و إستحباب قتل و قتال المفسدين !!
- إعمل لدنياك كأنك تعبش أبداً ،، و بين إعمل لآخرتك كأنك تموت غداً !!


* دين الإسلام - لأنه شريعة حياة و لأنه نزل لكل زمان و مكان - فهو دين ديناميكي ،،
إنه ليس "كاتالوج جهاز كهربائي" ستجد فيه كل تفصيلة موضحة بلا أي إحتمالية منك لتجاوزها أو التطوير فيها ، لكنه "إطـار" حياة ،،
حياة يعلم صانعها أنها متقلبة بين الرخاء و الفقر ، بين الأمان و الفزع ، بين تمام الصحة و عجز المرض ، و تتقلب أيضاً على كل درجة ما بين كل متضادين ،،  
حياة يعلم صانعها أن بين البشر إختلافات في العقل و الجهد و الهمة و الذمة ،،
هناك من هو "طماع" لدرجة تدفعه "للعدوان" ، و هناك من هو "خانع" لدرجة "الخذلان" ،،
لذا يجب أن يعطيك المحدد الأعلى كي لا يسمح بعدوان "الطماع" لكن في نفس الوقت لا يحرم المجتمع جهد "طموحه" ،،
و يعطي الحد الأدنى المقبول من "الخنوع" حتى لا يتوقف إعمار الأرض لكن في نفس الوقت لا يحمل "المتخاذل" فوق طاقته بمطالبته بأن  يصبح فارساً مغواراً أو مكتشف قارات جديدة !!
الإسلام يرسم لك حدوداً و يتركك تبدع في داخلها ،، لا تتجاوز الحدود فالصانع يعلم أن في تجاوزها ضرر للمجتمع ،،
لكنه أيضاً فتح لك الباب واسعاً للفهم و لبناء نظريات و تطبيقات على هذا الفهم ، بما يخلق عشرات الأفهام المتطابقة مع ثوابت الشريعة ،،
و بما يترك مساحة إبداع شديدة الإتساع حسب "طاقاتك" و "رغباتك" الشخصية لتضيف و تأخذ من المجتمع في ظل المنظومة المتكاملة للإسلام "كإنسان حر" و ليس "كماكينة مسبقة البرمجة" !!
و من هنا أصلاً نستطيع فهم لماذا جعل الله حسابنا على قدر عقولنا لا على قدر أعمالنا ، و نستطيع تفسير {و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} !!


* لذا فالإصرار على التمسك بمحدد واحد "الأدنى أو الأعلى" "طول الوقت" و في "كل ظرف" ما هو في الحقيقة سوى "ضعف عقلي" يُصدَّر على أنه "إلتزام ديني" ، أو هو "شرعنة للهوى" ، فتفعل ما تريد و تدعي أنك ملتزم بأمر ديني دون قياس صحيح يكشف زيف إدعائك ، فقط "مزايدة" على الآخرين بنص مجتزء أو رأي شاذ ، مما يجعل الآخر في موقف دفاع عن النفس لأنك "بفكاكتك" تقمصت دور "المتحدث الرسمي" بإسم الدين ، و ناقدك هو ناقد للدين الذي تمثله !!

* طبعاً هذا خلط واسع الشيوع في مجتمعات الجهل العربي ، و إلى حد ما يمكن تقبله كأخطاء فردية ،،
أما المصيبة الحقيقة فتقع عندما تصبح الدعوة إلى هذا الفهم الأحمق المنقوص هي "دعوة عامة" من "جماعات حاشدة" و موجهة "للمجتمع كافة" !!
لكن أتعلمون ما هي الكارثة الأعظم ؟
الكارثة في رأيي أن يتقبل الشعب كله تقريباً هذه الدعوة الحمقاء بترحاب بالغ ، و يدافع عنها دفاعه عن فلذة كبده ، و يسفه من يدعوه لغيرها ، مقنعاً نفسه أن ذلك الداعي هو الأحمق الأرعن عديم الخبرة منقوص الضمير !!


* كيف يمكن لمن قبل هذه الدعوة الواضحة للحماقة المبطنة بإحسان الظن أن يبررها لنفسه ؟! :

- أي عقل يمكنه أن يحسن الظن بأن خطة الإخوان يمكنها إصلاح الشرطة - التي كان فسادها السبب المباشر لقيام الثورة -  و هم برأوا و كرموا و قبّلوا في البرلمان وزير الداخلية الذي قُتل في عهده عشرات الشباب في إستاد بورسعيد ، ثم قَمع بخرطوشه شباب الثورة الذين حاولوا الثأر لهم في محيط وزارة الداخلية  ؟!
كيف و قد كرم السيد مرسي ضابط القمع في أحداث محمد محمود و في أثناء الثورة الأولى في سوهاج و عينه وزيراً لداخليته هو شخصياً ؟!
ثم أثنى ذلك العياط على الشرطة في كل حين و لم يمد إلى تلك المؤسسة يده بأي إصلاح و لو شكلي و لو حتى بمجرد إقتراح لمدة ستة أشهر ؟!

- أي عقل يمكنه أن يحسن الظن بأن الإخوان يسعون لدولة القانون و هم من طعنوا في نزاهة القضاء في كل حكم لا يتوافق مع مصالحهم (حل البرلمان ، إستبعاد الشاطر ، مخاوف حل الشورى و التأسيسية)  ؟!
كيف و هم من خاصمهم كل القضاة من صالحين و طالحين عدا من يسيطرون عليهم هم من قبل الثورة ؟!
كيف و هم من كتبوا في دستورهم في كل المواد المطاطة (و ينظم القانون ذلك) ، أسنعيش بمنظومة سيصنعوها لنا كاملة في البرلمان القادم دون قيد أو شرط ؟!

- أي عقل يمكنه أن يحسن الظن بأن الإخوان سيتعايشون مع الديموقراطية و يتداولون الحكم بسلمية و هم من هددوا بإحراق البلاد لو أتت الصناديق بشفيق ؟!
كيف و هم يعلنون المرجعية الإسلامية و التي يعلم كل مثقف متوسط الحال أنها تتعارض بشكل عميق مع أساسيات الديموقراطية ؟!
كيف و هم من إغتصب فرعهم في غزة (حماس) السلطة و لم يدع لأي إنتخابات منذ ركب على عنق الغزاويين في إنتخابات 2007 بموافقة أمريكية مثلما حدث معنا تماماً ؟!
كيف و هم من يجيشون ميليشياتهم لقمع المعارضين من الآن فكيف إن تمكنوا من الجيش و الشرطة ؟! أسيصنعون معنا ما تصنع حماس مع الغزاوية فيضربونا حتى في المساجد لو عارضناهم ؟!

- أي عقل يمكنه أن يحسن الظن في ((( المــشــروع الإســــلامـي ))) رغم أنه غير مكتوب في أي مكان كان ؟!
كيف و من يتاجرون و يربحون المناصب بإسمه لم يقدموه حتى و لو لخواص أفراد جماعاتهم ؟!
كيف أثق في حكم الإخوان فقط لأنهم يسمون أنفسهم - باطلاً - (إسلاميين) ، كيف أفعل و كل نظرائهم الفكريين نكسوا أوطانهم ، و أقربها في بقعتين على حدودنا (غزة و السودان) ؟
كيف أثق في حكمهم رغم أنه لم ينجح مشروع ما يحمل صبغة إسلامية إلا بعدما تحرر و تبرأ من مراهقاتهم الفكرية و طفولاتهم السياسية (مهاتير و أردوجان) ؟!

- أي عقل يمكنه أن يحسن الظن بالعياط و ((( يديله فرصة ))) رغم أنه لم يحقق حتى ما ألزم هو به نفسه من وعود في أول 100 يوم ؟! فما بالك بطموح الشعب الذي لم يقربه حتى ؟!
كيف و هو من خرج ولي أمره (الشاطر) و أعلن على الناس أن النهضة ليست "مشروعاً" حقيقياً لكنها مجرد "أمـنـيــة" ، رغم أن ذلك المشروع كان العقد الذي بينه و بين من إنتخبه ؟!
صحيح أنه من المنطقي أنه لا يمكن أبداً (لمعارض) صياغة مشروع حكم في دولة نامية لا توجد لديها قاعدة بيانات منضبطة و لا شفافية ،، و سأتجاوز عن أنهم يفترض بهم أن يكون مشروعهم للحكم جاهز خلال "نضال الثمانين عاماً من أجل الحكم" ،، و سأسأل فقط :
ألم تكفي 4 أشهر لبرلمان الإخوان و 6 أشهر لرئيسهم في الحكم لكي يصلوا إلى بينات موارد و إحتياجات الوطن ، و يعدوا مشروع حكم حقيقي ، و يخرجوا به إلى الناس ؟!


* تــباً ،، أهناك عاقل صاحب ضمير يمكنه أن يحسن الظن رغم كل ذلك ؟
عــذراً ،، هذا ليس إحسان ظن ،،
هذه دعوة للحمق ،،
ثم شرعنة لهذا الحمق بإسم الدين ،،
ثم قتال و فتنة من أجل مجموعة حماقات نُسجت معاً كثوب ردىء لا يستر عورة وطن و لا يقي من برد شتاء فقر شعب !!


* إذا كنت تدعوني للموافقة على سياسات و دستور تعترف أنت و يعترف المقربين الداعمين لصانعيهما أنهما معيبان فقط من باب إحسان الظن بكاذبين معتدين يضعون أقدامهم على أول طريق الفشل ،،
فأنا أدعوك بمنطق أقرب للصواب أن تحسن الظن بي أنا - كأخ لك لي عليك نفس حقوقهم -  و توافقني  فترفضهم و ترفض طريقهم و طريقتهم ، فعلى الأقل أنا لم يثبت لك بعد كذبي أو فشل أفكاري  !!!


* يا من تلوم الفطناء على عدم مشاركتك عمى بصيرتك أو موت ضميرك ،،
و يا من تدعو الناس للحماقة و تراهن على نجاحك بها ،،
أبشركما بأحد أمرين :

- إما سيقف لك الفطناء بالمرصاد فتسقط سقطة لن تقوم بعدها أبداً ،،
- أو ستكون أنت أقوى منهم لندرتهم ، و عندها ستحكم وطناً من الحمقى فتفني حياتك "لتعلفهم" دون أن يبنوا لك ما تحلم به من أمجاد ،، فهنيئاً لك بحمقهم و هنيئاً لوضاعتهم بضلالك !!  


كلا و الله لن أحسن الظن بمن أثبت مراراً أنه:
أحمق ، فاشل ،
ناقض للعهد ، كذوب ،
آكل للربا ، معطل للقصاص ،
مكرم للفاسد ، متهِم للشريف ،
خاذل للمضطهدين من المسلمين في سوريا و بورما ،
ودود للصهاينة ، مطيع للأمريكان ،
حاكم بغير شورى ، صامّ الأذن عن كل مناصحة ،
محرض للإعتداء على دماء رعيته و منكر بتبجح لذلك الإعتداء رغم ثبوته يقيناً !!

* كلا لن أحسن الظن به و لا بجماعته نصرةً لديني ،، فـ (المؤمن كـيِّـسٌ فـطِـن) !!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق