الجمعة، 10 أغسطس 2012

سلسلة ما وراء الحقيقة : أسطورة ( بشر أسوأ ) ،، ملحمة الأيام الثلاثة















حالتي النفسية اليوم تشبه تلك التي كانت في 2010 و إستدعتني أن أنتاول مضادات الإكتئاب حتى يمكنني التعايش مع المجتمع حتى تمكنت من الرحيل عنه عازماً عدم العودة أبداً ،،
حلمت لسنوات بالمشهد اللأسطوري الذي أشاهد فيه مصر من شباك الطائرة التي تغادرها للمرة الأخيرة في حياتي !!

سافرت ،، ثم كانت الثورة ،، شعرت بالحسرة لبعدي عن تحقيق الحلم الذي عشت أيامي على أمله ،،
ثم قررت العودة رغم عدم منطقية إنتظار نهضة على غير مقومات ،، لكنها النفس البشرية التي أحد أسرار بقائها هو الأمل ،، ثم كان العمل ،، ثم كانت الإنكسارات ،، ثم كانت الحسرة من جديد على ضياع كل الأمل و كل الجهد ،،
و لولا أن الله رزق حسن النية فكان العمل لوجهه لا لوجه دنيا زائلة ، لكنت اليوم منتحراً أو قاتلاً شخصاً ما !!

دعوني أحكي لكم بعض المواقف (الغير منتقاه) من أيامي الثلاثة السابقة ،، سوف أسردها كما هي لأكدر نفوسكم و أمرر معيشتكم بطريقة الفلاش باك المتتابع فتحملوا معي :

* الثلاثاء عصراً :
ميكروباص من الزقازيق بلدة مرسي  إلى المنصورة بلدة عكاشة ،، السائق يغلق الباب ثم ينطلق و يسمي و يطلب منا قراءة الفاتحة ،، ثم بعدها يقول : "الأجرة سبعة جنيه يا حضرات" ،، المفترض أن الأجرة خمسة جنيهات فيغضب الناس ثم أقرر مناقشته للأستفسار فيجيبني :"أنا مش مستغل يا أستاذ و لا حاجة ،، بس الطريق التاني مقفول و الطريق السريع أحسن" أسأله :"طيب ما إنت كده فعلاً بتستغل إن الطريق مقفول ،، و الطريق السريع مع إنه أطول لكنه أسرع و إستهلاك الجاز فيه أقل" ؟!
يجيبني بالإستخدام المصري العجيب للدعوة للصلاة على النبي عليه الصلاة و السلام ثم يردف :"لو ما معاكش يا أستاذ مش إشكال" ،، أقنعه أننا سندفع لكن بشرط أن يعترف أنه لإستغلنا و لم يخبرنا قبل أن نتحرك بالسيارة" ،، يجيب بإستخدام عجيب آخر لكلمة أخرى و هي (كل سنة و إنت طيب) و يشغل القرآن للتشويش علي !! من جديد موقف عجيب يقطر خسة أثناء (لم الأجرة) لكنه يمر بسلام هو الآخر .

أنهي مهمتي في البلد الذي ذهبت إليه لكن الكهرباء تنقطع لثلاث ساعات لتجعلني أضطر للخروج من القرية متأخراً عن موعدي بكثير .

* الثلاثاء منتصف الليل :
نركب ميكروباص العودة ،، و بعد نصف ساعة من الأنتظار حتى تمتلأ السيارة ينغص السائق علينا كل حركاتنا بدعوى أنه يغسل السيارة ،، أخيراً تمتلأ و لكن السيارة لا تدور ، فيطلب مننا السائق أن (نزق) !!
خمس مرات من الفشل في أن تدور بعدها يستغرب السائق جداً أننا نبحث عن سيارة أخرى ،، و يرمقنا و نحتن نحمل أمتعتنا و نتركه بنظرة كلها ملامة و إستحقار كأننا المتولون يوم الزحف !!
نركب السيارة التالية و بعد دقيقة يسرع سائق ثالث لينبهنا أن هذه السيارة لم يصبها الدور بعد و أننا يجب أن نحمل أمتعتنا من جديد إلى إلى سيارته هو ،، مستكشفاً الكذب في عينيه أنادي السائق الثاني لأكتشف أنه كاذب بالفعل فأثور عليه و أعنفه بقوة أدهشته من هذا (الأفندي السيس بالضرورة) فيرحل من أمامي و نتحرك أخيراً بالسيارة ،،

في منتصف حقول الدلتا التي إنقطع تيار العذاب (الكهرباء سابقاً) عن كل قراها فأصبحت ككقطعة من السديم الكوني في الناحية المظلمة للأرض التي في عكس إتجاه الشمس ، هنا بالذات تفقد السيارة أيضاً - لجمال الحظ - إضائتها تماماً فتصبح السيارة كياناً لا يميزه الآخرون على الطريق الذي لا يستطيع السائق رؤيته بدوره !!
أستفسر من السائق عن السبب و أدعوه لإصلاحه تجنباً للحوادث فيقول : "إنتوا ما شاء الله ركبتوا العربية الأولانية ما دارتش ،، ركبتوا عندي قطعت نور" !!
أتمنى فعلياً أن أضربه ،، لا يستحي أنه لا يصين السيارة كما ينبغي و يزيد أن يتهمنا بوقاحة أننا (عالم فقر) ، أدرك أن الحوار منعدم النتائج فأتمتم تمتمة المهدد وأستغفر الله و أصمت !!

نصل إلى محطة تبديل الميكروباص بآخر ،، وقت السحور تقريباً ،، أحدهم يدخن سيجارة في السيارة بعد أن تحركنا و يتبعه آخر ،، يتحمل الجميع قليلاً لظروف السحور ثم الصيام ،، لكن التدخين يزداد و الرائحة تزداد و ينبه السائق على عدم التدخين فيستعطفوه (بصنعة لطافة) فيسكت و لا يتوقفون عن التدخين كأنهم يدخنون دخان اليوم كله قبل السحور فيطلب منهم بأدب (مبالغ فيه) أحد الركاب أن يكفوا عن التدخين ،،
يرد المتحذلق المدخن :
"إنت تعرف إنهم مسكوا أربعين طن لحمة فاسدة في مينا السخنة كنا هناكلهم بالهنا و الشفا ؟! تفتكر دول ضررهم أكبر و لا السيجارتين دول" ؟!
الشاب المؤدب يبحث عن حجة منطقية في وجه هذا الغباء المتكامل فيتلعثم ثم يرجوه مرة أخرى و يسكت بعدها ،،
يستفيض المتحذلق في حوار يدلل فيه على مقدار حبه للفريق شفيق ثم يتحدث في أمور أخرى محافظاً على نفس الكم من التدخين فينتهي صبري و أقول كمن يبدأ عراكاً فليس بي صبر لحوار من جديد : "دي ما بقتش عربية دي بقت غرزة كده يا أستاذ" !!

يسود الصمت للحظات فيقطعه السائق المنتفض لشرف سيارته ! قائلاً : " إيه يا أستاذ غرزة و مش غرزة و ما يصحش كده"
أرد بسيل من الكلام المنطقي التقريعي بصوت عالً يوحي بنهاية الصبر حتى يشعر السائق بالخطأ و الخطر معاً من ذلك المجنون الذي سينفجر في وجه الجميع فيقرر أن يتحول من جديد لـ " كل سن و إنت طيب" !!

يعز على المتحذلق نفسه بعد أن إضطر لرمي سيجارته فيتمتم بكلمات غير مفهومة من منطلق التسخين للحوار الإنتقامي ثم يقول هذه المرة بحروف مفهومة اللفظ غبية المعنى : " غرزة ،، و هي دي ألفاظ برضك ؟! يعني أنا اللي متعلم في إنجلترا بقيت بتاع غرز ؟! ثم دا أنا بقالي 18 سنة بركب ميكروباصات على الخط ده"
أحاول ان أفهم العلاقة المنطقية بين طول فترة سفره على الخط و أحقيته في التدخين فأفشل ،، ثم أقرر أن أسأله " و إنت بروح أمك كنت بتدخن في المواصلات في إنجلترا" ؟! لكني أقرر أن أحتفظ بها و أكظم غيظي لأن التالي بالتأكيد يجب أن يكون ضربي له فتذكرت أن معي أهلي فآثرت الصبر ،، و قرر هو النزول من السيارة في عرض الطريق كأنه يعاقبنا ؟؟!!

* يمر يومي ،، و أتأهب الأربعاء بعد الإفطار:
بسرعة لأصل إلى القاهرة قبل العاشرة مساءاً لتنظيم وقفة للتضامن مع المعتقلين ،، و رغم نجاحنا و الحمد لله و نجاح الفعالية إلا أنني سأذكر لكم جملتين و موقفاُ :
الجملتين من السيارات ،، تذكروا نحن في الحادية عشرة مساءاً فيطل أحد الكهول من سيارته ليقول بغضب : " ما تروحوا تشتغلوا أحسن" !! ثم يخرج الآخر من سيارته ليقرعنا و يبكتنا و يقول  : "الناس بتموت على الحدود" .
لم أفهم كيف فكر الغبي الأول في أننا يجب أن نعمل في الحادية عشرة مع أنه نزل لينزه عائلته في نفس التوقيت ،، و لم أفهم ما الذي يعنيه الغبي الثاني بملامته (رغم أنني سألته) !!

الموقف هو خلاف مصري تقليدي ،، أحد الأحزاب قرر أن يرفع مع شعارات المعتقلين شعارات حزبه ،، و هو أمر لم نتوافق عليه ،،
يغضب صديق لي لأنهم إستغلوا الحدث لمصلحتهم بينما هو لم يفعل ،، يحادثهم مغاضباً عن أن ينهوا ذلك فأتدخل أنا ،،
و رغم أنني المنظم الذي كان ينبغي لي توجيه اللوم من الأساس إلا أنني قدرت أن هذا اللوم في هذا التوقيت يعني فشل الفعالية تماماً لتوقعي إنسحاب الطرف الملوم ،،
أحاول أن أفهمه (منفردين) أنهم ليسوا منافسين لنا لأننا لا نمثل حزباً سياسياً مثلهم فلا يهدأ ،،
أذكره أن هدفنا الأساسي (دعم المعتقلين) قد نجحنا في توصيله رغم التجاوز الذي تم و أحاول أن أشرح له أنه على حق لكن الموائمة تقتضي أن يمر الموقف ثم نتعاتب لاحقاً و نضع قواعد أكثر صرامة فلا يزيد إلا عصبية ،،
أتركه ثم أرجع إليه لأجده يتصايح معهم من جديد حول نفس النقطة فأقف في صفه قليلاً معاتباً لهم حتى لا يغضب ، ثم محاولاً مصالحتهم حتى لا ينسحبوا فيزيد الطرفين تمسكاُ برأيهما !!

الطرف المخطىء ينكر (كاذباً) أنه لا يعلم بهذه القاعدة التنظيمية مع أنه حضر مع نفس الشخص إجتماعاً إتفقوا فيه على ذلك ،،
ثم بعدها يقول : " طيب يا سيدي و هيا فيها إيه يعني" فيزيد غضب الصديق ،،
فيرد الآخر بإبتسامة مستفزة  و يقول : " طاااايب يا سيدي حقك علينا و مش هتتكرر تاني" بينما آخر من زملاء المخطىء ما يزال مدافعاً عن موقفهم الأصلي بصوت عال.

الطرفان يحملان طاقة سليبة جداً تجاه بعضهما ،، إنها صفة مصرية متوطنة ،، الكل يعتقد أن النقاش بالضرورة هو خناقة يجب الخروج منها منتصراً حتى و لو بالباطل ، لا أحد يُقدر الآخر و لا يلين في يده مهما كان إقناعه ،، لا أحد يعترف بخطئه و الكذب أسهل من النَفس الداخل !!

* منتصف ليل الأربعاء :
أتوجه مع أخي و صديقه إلى المسجد لإكمال الليلة فيه ، فهي الأولى من الليالي الفردية من العشر الأواخر ،، خمس ساعات غسلت هموم اليومين السابقين حتى كان الشروق و قابلت الوحش الجديد !!

الوحش الأسطوري في هذه المرة هو كائن يوجد في كل أحياء المدن و القرى ،، موجود منه بالضرورة واحد في كل مسجد كبير ،،
هو رجل ستيني على المعاش ما يزال قوي البنية ، يرتدي جلباباً أبيض يجعله يعتقد أنه لا ينتمى لعالمنا الفاني ،،
ينهي هذا الوحش حلقة تلاوة مع أصدقائه الستينيين ، ثم يذهب جميعهم و يتبختر هو متباطأً ليكون آخرهم ،، ثم يقرر أن ذلك قدر كاف من العبادة ليس له وحده و لكن للجميع فيطفأ كل أنوار و مراوح المسجد !!
المسجد لم يكن به متسكعون و لا نائمون ،، بعض شباب يصلي و أنا أتلو و عدد من المعتكفين !! إنتظرت لدقيقتين لكني لم أر أحداً يستنكر الأمر ! المسجد يتحول إلى ساونا لكن الجميع راضٍ !
عرفت حينها أن العيب في أنا ، أنا ذلك المخلوق العادي الذي لا يستوعب حكمة الوحش الأسطوري ، لم أحاول أن أحاوره فأنا بالضرورة غر ساذج إشترت لي أمي سيارة – حتى و لو لم أمتلك سيارة من الأساس - ، لم أنتهي من وردي بعد و ما زال أمامي ساعتين حتى تفتح أبواب المصالح الحكومية  التي أنتظر قضاء بعض شأني فيها ،،

تجول للحظة ببالي فكرة أن أطلب منه أن يمنحني من كرمه ساعتين إضافيتين من الإضاءة و التهوية (في بيت الله) ! ، لكني أدرك أن ذلك سيؤدي إلى حوار طويل سأخسره أنا بالضرورة لأني سأكتشف أسباب فوقية لهذا التصرف الحكيم ، ربما يليها بعض التقريع عقاباً على طلبي الأرعن ، سيفسد هذا جزءاً من حالتي الروحية فأقرر الرحيل ،
أخرج من المسجد برضا على أمل ضعيف في أمرين : أن لا يعنفني في المسقبل شاب ما ، عندما أتحول إلى وحش أسطوري ستيني بدوري و آتي بمثل هذه السفاهات.

* الخميس السادسة صباحاً :
أهيم على وجهي في مدينة نصر الخالية من المارة ، أركب ميكروباص ثم مترو ، ثم أجدها السابعة في ساعتي فأفضل أن أنتظر لساعتين في محطة المترو (المكيفة) بدلاً من الخروج لحر وسط البلد ، فأقضيهما في كتابة مقال تحليل سياسي في مفكرتي .

* الخميس الثامنة صباحاً :
أنتظر لساعة أمام سفارة دولة ما (لن أذكر إسمها أو سبب وجودي عندها الآن) ، أكتب خواطر لمقال آخر حول المقارنة بين فكر المجموعات الدينية الإسلامية في القرن العشرين ،
- في التاسعة تفتح أبواب السفارة التي كان يفترض بي إستلام بعض الأوراق منها عصر اليوم السابق (الأربعاء) ،، أدخل لغرفة إنتظار خمسة أمتار في خمسة أمتار بها تكييف واحد و خمسون شخصاً على الأقل ، لها باب نصف متر و بها 20 مقعد ! أشعر كأنني متسول خصوصاً أنه لا يوجد أحد يتعامل معي أبداً من الموظفين إلا واحد يقبع خلف زجاج سميك في غرفة اخرى ندخل إليها من باب صغير آخر عليه يقف رجل أمن ! تصورت لو أن سفارة هذه الدولة كانت في بريطانيا أو حتى في السعودية ، كيف سيكون شكل قاعة الإنتظار و طريقة التعامل مع الجمهور ؟!! سألت منتظراً آخر عن سبب هذا التفاوت فقال لي "عشان إحنا شعب رخيص" !!
يخبرني (محمود) حارس الأمن الريفي جيد المظهر أنه على أن آتي في الثالثة عصراً و ليس الآن ،، أخبره أن يدخل ليخبر (الأستاذ أحمد) المسؤول بالداخل أنني من محافظة أخرى و لا يمكنني الإنتظار لسبع ساعات كاملة من الحر و الصيام في الشارع لمجرد أنه (ليس من النظام) أن يمد يده خلف ظهره ليناولني أوراقي الموجودة في الدولاب الخلفي !!

- يحاول محمود معه ثم يخرج لي من غرفة الأستاذ أحمد المكعبة الزجاجية مطوحاً يديه خلف أذنيه في حسرة مثل الطبيب الذي (عمل اللي عليه بس قضاء ربنا نفذ) ، فأدخل للوحش الأسطوري (أستاذ أحمد) و أكرر عليه لدقائق مشكلتي التي يستحيل معها الإنتظار و أطلب إليه أن يشرح لي لماذا سيعذب (أحمد) (أحمداً) آخر بسبع ساعات من الحر و إحتمالية الإفطار في الشارع ، فيجيب الإجابة الخالدة خلود نهر النيل :
(هما منبهين علينا ما نسلمش قبل الساعة 3 الضهر)
نقاش طويل حول (من هم اللي منبهين) ؟ و ماذا لو كانوا مخطئين بما انه لا يوجد مبرر لهذا التنبيه ، و كيف أنه هو المسؤول عن المكان و أن الأوراق موجودة معه بالفعل ، و حول مقارنة ما إذا أتى لي في عملي هل يقبل أن أعامله بالمثل ؟  تنتهي كل الحجج المنطقية بعد جمل كثيرة فلا يبقى إلا العراك ،، لكن الرجل لم يبدأ عراكاً فلن أبدأه أنا ، أيضاً هو خلف حاجز زجاجي و حتى لو ضربته فلن أحصل أبدأ على الخدمة التي أريدها و لو بعد عام كامل ! تتغلب البرجماتية على العشوائية و أقرر أن أشكوه للقنصل ،

- بعد حوارات منطقية يبدو صاحبها ككائن فضائي في نظر حارس الأمن على البوابة الأخرى أستطيع الدخول لكني انتظر في غرفة الأمن ، أكتشف أن (الأستاذ أحمد) إتصل بالجميع بعد معرفته بنيتي العجيبة للشكوى ، الكل الآن لديه الرد الخالد على شفتيه (هما منبهين علينا ما نسلمش قبل الساعة 3 الضهر) ،،
الكل ينبرى في أن يصدر لي فكرة الرضا بالأمر القائم حتى و لو لم يكن منطقياً ، لا أحد أبداً يبحث عن صحة ما يفعل ، لأنه إما غير قادر اصلاً على الوصول إلى ذلك ،، أو أنه من المحتمل ان يكتشف أن وظيفته سخيفة و مؤذية فيضطر لتركها و هذا يخالف الفكرة المصرية الأزلية في أن الإستقالة هي أحد الخطايا السبعة !! حتى لو كان عملك هو قتل الناس بلا وجه حق فأنت ( عبد المأمور و ده أكل عيش ) أو ( مش أحسن ما غيري يقعد مكاني و يضر الناس بزيادة ) !
أطلب مقابلة القنصل فيخبرني حارس الأمن مناصحاً في خباثة و بصوت خفيض : "الأستاذ أحمد هنا أجمد من القنصل ، السفير بيمشي كلامه و يطرقع للقنصل" !

لم يكن من المنطقي أن أحاول مقابلة السفير ، أنا أصدق حارس الأمن ليس لمعرفتي بالحقيقة ، لكن لأني منذ زمن أعرف نفسية المصريين العاملين بالسفارات الأجنبية و اعرف أن الديبلوماسيين الأجانب يستخدمونهم (ككلاب حراسة) في وجه المصريين ،، المصريين ذلك الشعب الذي لا تطمع دولة ما في ماله للسياحة أو الإستثمار كمواطني الخليج ، و لا تطمع في علمه فالمتعلمين الهنود أكثر جودة و أقل في المتطلبات ، لم تعد حتى تحتاج له كعامل فالعامل الصيني أدق و أقوى و أقل أجراً !
تعرف تلك الدول ان عدم وجوده في بلادها (أياً كانت الدولة) هو أفيد لها و لكنها الإتفاقيات الدولية اللعينة التي توجب على الأسياد أن يوافقوا على تقديم (بعض) الخدمات القنصلية لشعب مثل (المصريين) !!

- (الأستاذ أحمد) لا يمكنك مقاضاته لتقصيره في عمله فهو على أرض أجنبية في هذه اللحظة و إن كانت داخل مصر ، أيضاً لا يمكنك أن تشكوه لمديره لأنك لن تستطيع مقابلته ، و حتى لو حصل فسيكون ذلك نقطة إجابية في ملفه فهذا بالضبط هو الدور المطلوب منه !!
هذا الكائن الأسطوري يحمل ككل المصريين طاقة نفسية سلبية ناحية المصريين الآخرين ، هو نفسه الموظف في أي هيئة الذي يستمتع بتعطيلك حتى و لو لم يجني هو من ذلك أي فائدة شخصية أو راحة من عمل ما واجب عليه ، لكن هذه المرة هو بلا قيود ، هو حر تماماً لأن يأخذ شهوة الإيذاء إلى المنتهى وقتما يريد !

(الأستاذ أحمد) ككل متوسطي العقل في بلاد العرب لا يمكنه أبداً إحترام الأعقد فكراً إلا إذا كان صاحب سلطة أو مال ، هو يعرف أن هذان الأمران هما ما يستطيعان إلحاق الضرر به فصاحبهما في الأغلب يملك إتصالات مهمة ،، اما ذلك (الحوارتجي) المتسفسط الذي يريد أن يعلمني عملي (المهم) فهو بالضرورة صعلوك لن يستطيع ان يؤذيني أكثر من ناموسة ، هو فقط سيكدر مزاجي فلماذا لا اعذبه حتى تعادل لذة إيذاؤه عندي ألم صداع ترهاته المنطقية ؟! ذلك المتذاكي سيجن بالتأكيد لو ذكرت له اموراً غير منطقية فلماذا لا أغرقه بها ؟! نعم سأفعل ،،

و هنا تدور عجلة الكراهية المصرية ، حلقة طاقة نفسية سلبية رهيبة تبدأ بخلاف شخص بصفات (الكائن الأسطوري) مع آخر (متفلسف) فيتفنن الأول في إغاظة الثاني ، يكره الثاني غباء الأول فيحاول أن يبرهن عليه و يعايره به ، يغتاظ الأول بدوره فيحاول إضافة الإيذاء بالنوع المتاح منه إلى إغاظته الأولى ، يكره الثاني الظروف (الوطن) التي إضطرته لأن يقع تحت ضرس الأول ، يكره فقره و إنعدام سلطته ، يكره غباء النظام الإداري و يكره التخلف العلمي فكل هذه المهمات يستطيع هو ان يفعلها في أي بلد حتى و لو متخلف عن طريق الإنترنت في دقيقة واحدة ! تكتمل الحلقة بأن يصبح حلم الثاني أن يترك الوطن و يفعل ، يبقى الأول و يكون صناع القرار من نفس (قماشته) حتى و لو إختلف مظهرهم ، تنتج منظومة سياسية إقتصادية إجتماعية من أسخف ما يكون ، فيكره الأول الوطن لأنه لا يجد فيه عيشاً كريماً !!

* الخميس العاشرة صباحاً :
أضطر للإنتظار فأقرر أن أذهب للراحة عند صديق فلا يرد على التيليفون فأقرر أن أبقى في وسط البلد لقضاء بعض مصالحي ،، أذهب إلى مكتبة للقراءة فأجدها مغلقة بدون سبب ،، أذهب إلى الفرع الرئيسي للبنك لأخرج بيان برصيدي فيه يبين قيمتي كإنسان (حسب تعريف النظام العالمي الرأسمالي الجديد) لأقدمه للسفارة فيسمحو لي بزيارتهم ،، فأجد التيار مقطوع عن البنك !!

* الخميس الحادية عشرة إلا ربع :
أعطي نظارتي لورشة التصليح ، فيخبرني الحرفي أن أعود لأخذها في الثانية عشرة

* الخميس الحادية عشرة :
أصلح حذائي و بعد الأنتهاء يطلب الرجل رقماً مبالغاً فيه بشدة فألومه على عدم إخباري بالتكلفة قبل العمل فيرد بخليط من اللوم و الإستحقار :" ما كنتش اتوقع إنك ممكن تتكلم في فلوس" !!

* الخميس الثانية عشرة :
أدخل إلى مقهى إنترنت لأستغل وقتي في كتابة الكلمات التي تقرؤها الآن ،، لخمسين دقيقة أكتب ، ثم فجأة ينقطع التيار ، أنتظر حت يعود التيار لأحصد جهدي في الكتابة بدل أن يضيع فيخبرني صاحب المكان مبتسماً أنه حتى لو عاد التيار فلن تجد ملفك لأن الجهاز (عليه ديب فريز) ! أسيطر على اعصابي و أقوم فيطلب مني الفتى ثمن الوقت ، أتعجب للحظة و لكني انقده ماله فلا ذنب له ، لكن سؤال يدور في رأسي "لكن ما ذنبي انا ؟ لماذا أبذل جهداً ثم مالاً ثم يضيعا" ؟! أعرف الإجابة بعدها بلحظات بعد أن أعرف ان التيار قبلها بساعة كان مقطوعاً عن البورصة و المترو معاً !! فأعرف ان إجابة سؤالي هي "لأنني مصري" !!

* الخميس الواحدة ظهراً :
أعود لورشة النظارات بعد ساعة كاملة من الموعد المحدد ، أجد نظارتي لم ينتهي تصليحها فألوم الحرفي فيكذب أكاذيباً كثيرة أتحدى أن يفهمها هو شخصياً ، فأعرف أن الحوار غير مجدي فأمنحه بعض الثقة في ذاته بأنني أنا المستعجل و أتركه لأحاول إستغلال الوقت المتبقي من جديد.

* الخميس الواحدة و النصف ظهراً :
أبحث عن مسجد للصلاة ، ثم مقهى إنترنت آخر ، لقد صممت أن أكتب هذه الأحداث و سأفعل رغم الإحباطات :) ،، كتبت جزءاً كبيراً منها ثم حان الوقت .

* الخميس الثانية و النصف ظهراً :
أستلم نظارتي ثم أذهب للسفارة من جديد ،، أقابل صديقاً إنتظرني أمامها ، و انتظر ساعة كاملة حتى أستلم اوراقي في الثالثة و النصف عصراً !! نعم هذا حقيقي ، (الأستاذ أحمد) ملك النظام (لطعني) نصف ساعة زيادة غير مبررة أبداً ،، الأوراق منتهية بالفعل من الأمس و هو بالداخل !!

* الخميس الرابعة عصراً :
في وزارة العدل (إتدبست) في حضور جلسة تحقيق للجنة تقصي الحقائق بخصوص موقعة الجمل ،، إحباط شديد من أن التحقيق يعاد بحذافيره للمرة الثانية رغم جودة التحريات في المرة الأولى و ذلك لأنه كام ممنوعاً أخذ نسخة من التحقيقات الأولى !! أتصل لأعتذر عن إجتماع بإحدى المدن الجديدة حول القاهرة لتأخرى الغير متوقع .

* الخميس السادسة و الربع قبل المغرب بنصف ساعة :
أصل لمنزلي في الشرقية و أغتسل و أتناول الإفطار ، ثم أقلد المخلوع فأموت إكلينيكياً حتى قبل السحور :)

_______________________________________________________

* الآن أود أن أسألكم سؤالاً إستفهامياً منتظراً لإجابة :

( هل رأيتم شعباً أردء ؟ هل سمعتم عن شعب أكثر كذباً و طاقة سلبية ؟ هل تعلمون فئة أو طبقة إجتماعية في مصر تخلو من هذين المرضين ؟ )
أستطيع ان أجيب أنا فقد تعاملت مع نصف جنسيات العالم و حُكي لي عن النصف الآخر ، و مما رأيت و سمعت أجيب :"لا" !!

أنا لم أعترض فيما عرضته على الظروف ،
لم أعترض على فساد النظام الإداري ،
لم اعترض على حرارة الجو ،
لم أعترض على زحام وسط البلد ،
لم أعترض على عدم تيسر أن يمتلك طبيب ثلاثيني سيارة ،

إهتمامي الأوحد هو (خامة) البشر ،، هل هناك من يؤمن بأن هذه (الخامة) يمكنها إنتاج (نهضة) ؟!

_______________________________________________________

* بعد كل هذا السواد بقيت بعض اللمحات الجيدة من أشخاص جيدة :

- الحاضرون و الحاضرات لوقفة دعم قضية الإفراج عن الأسرى من جمهور الشارع الغير منتمي لكيان ما ،، رأيت الأب و إبنته ، الأم و الجدة ، شباباً كان يمكن أن يجد متعة في مكان آخر ، مع ذلك كلهم يقفون لساعة و نصف بلا حراك يحملون لافتة في الشارع لتراها السيارات المارة ، يقفون بكل تفاني و إستحضار لمعاناة الأسرى .

- صديق لي يعرف (بمرمططتي) في هذ اليوم فيقرر أن يترك سريره الوثير لينزل في الحر و الصيام ليشد من أزري .

- شخص قابلته لمرة واحدة لكنه على تواصل معي يثق في بامانة يصعب أن يأتمن العاقل عليها أخاه أو أحياناً زوجه ، أشعر بكثير من التقدير لهذه الثقة .

- صديق يعلوني سناً و علماً و قدراً يقرر (متخلياً عن العجرفة العربية التقليدية) أن يعترف لي أنني أثرت في طريقة تفكيره و غيرت مسارها تماماً و هو يعتقد أنه الآن يرى الأمور بشكل أفضل و أوضح .


الأشخاص "الجيدين" من وجهة نظري الذين ذكرتهم الآن كلهم : 
(ثورجية ، جيدي التعليم ، معظمهم عاشوا فترات خارج مصر) ،،

و أترك لكم صنع وسائل قياسكم الخاصة لجودة البشر لتطبقوها على من تعرفون لعلها توضح لكم الحيرة المتمثلة في (خسة) أعداء الثورة على الظلم رغم إختلاف علمهم و طبقاتهم و مكاسبهم المهدرة او المستفادة من تلك الثورة !
______________________________________________________

مرحباً بكم في حقبة من الأيام الصيامية و ارجو أن يكون هذا المقال الطويل رداً على السؤال الأزلي الذي أسمعه من الجميع :

"إيه أخبار شغلك و أخبار الماجستير" ؟! :)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق