الخميس، 22 نوفمبر 2012

الإرث الإسلامي شديد الثراء ، كيف تحول من ميزة إلى عبىء






* كيف يمتلك المسلمون كل هذا الكنز الفلسفي الأخلاقي الرباني و يكونوا أجهل أهل الأرض و أرذلهم أخلاقاً ؟!

السبب الذي يصرف العجب هو أن المسلمين مقارنة إلى غيرهم - هم في رأيي - كورثة عالِم فذ و مناضل مغوار مقارنة إلى ورثة رجل عادي أو هامشي أو حتى فاشل ،، و لهذا يحدث ما نستغربه ،،

- فأبناء العاديون و الهامشيون و الفشلة عادة في حاجة إلى حياة أفضل من التي أمنتها لهم تلك الأنواع من الآباء ،
و الحاجة أم الإختراع ،
لذا فهم إن طلبوا النجاح كان لزاماً عليهم أولاً أن يعتمدوا على أنفسهم عقلاً و جسداً ، ثم أن يجتهدوا بأقصى ما يستطيعون لتحقيق طموح عالٍ رسموه لأنفسهم ،،

 - أما أبناء العالِم المغوار فهم يأمنون لرعاية والد حكيم ، و يحتمون بشهرته و مريديه ، و يصلوا إلى حاجاتهم إما ببعض مال كسبه الأب من علمه أو ببعض عون من تقدير أشخاص لقيمة والدهم ،،

فإذا كان هذا الأب رجل حق فسيموت عادة ميتة الغرباء ، و لن يجد له من بعده من يرعى عياله فهو بالتاكيد قد عادى كثيرين بمقولة حق في زمن شاع فيه الفساد ،،
عندها سيعلم إبناؤه أنهم أصبحوا في الدنيا بلا بشر حارس و لا مال مكنوز ،، لكنهم  سيرثون علماً مكتوباً و خُلقاً كريماً لا يقدر بمال ،،

- في الأحيان الأغلب سيكون الإبن - لطول فترة إعتماده الكامل على والده - من نوع الكائنات "التابعة أو الطفيلية" ، و سيكتشف أنه لم يُعد نفسه كإنسان مستقل ، فيعيش حياة بين الضياع و الإنحدار  ماراً - كمعظم من يمر بمحنة فارقة -  (بالإنكار ، الغضب ، الإكتئاب ، التعايش )

- و في أحيان كثيرة سيحاول أبناء الفذ المغوار أن يتعيّشوا من نشر علم والدهم و سيرته ،، أحياناً سيتجاوزون للمتاجرة بهما لو لم يكن للقراءة زبائن كثيرون كحالنا اليوم ،

- و على أحسن الأحوال سيعيش هؤلاء الأبناء في الظل مقارنة بلمعة شهرة والدهم ، مع ذلك سيشقون طريقهم بعملهم سواءاً في طريق جديد أو على نفس خطى ذلك الوالد ،


* و هذا هو حال "ورثة" التركة الإسلامية :

-  فأغلبية عوام المسلمين و أنصاف علمائهم يستقرون أو يتدرجون بين المراتب الأربعة لرد الفعل على المصائب :
. فيعيش أكثرهم - دون مبرر منطقي - في مرحلة (الإنكار) لكل تشكيك أو تجديد في الدين بحق أو بباطل على حد سواء ،، إنه نفس جمود الإنكار في : {هذا ما وجدنا عليه آباءنا} ،،
. و يزيد بعضهم - دون مبرر منطقي - ليصل إلى مرحلة (الغضب) ليدمر ما حوله مخالفاً حتى أوامر و نواهي دينه ذاته : ( مدمري حملات "إلا رسول الله" ، و الموجة الجديدة من عشاق فكر القاعدة دون إطلاع لكن فقط كرد فعل على عنف الطرف الآخر ) ،،
. و أحياناً ما يتطور الأمر مع البعض - لغياب التفسير المنطقي للإشكاليات إلى (الإكتئاب الديني ) في صورة جحود بالدين ذاته : (موجات الإلحاد التي زادت حالياً ) ،،
. و آخرين قد ينتقلون من إحدى تلك المراحل إلى مرحلة (التعايش) أو يبدأون بها أولياً ، فيجعلون الدين الذي جبلوا و تربوا على الإلتزام به في ذيل أولوياتهم ، و يتحول لديهم فقط لمجموعة طقوس تنحصر في صلاة العيدين و صوم نهار رمضان مع قضاء لياليه مع راقصات الخيم الرمضانية !!

- و كثيراً ما نرى من يتعيّشون من نشر و تشكيل و إعادة تدوير نفس الإرث (مئات آلاف الشروح و التنقيحات و الترجمات لشروح و تنقيحات و ترجمات  سابقة للحديث و التفاسير و مذاهب الفقه و رجالهم ، في أبحاث عشرات الجامعات الأزهرية و الخليجية و الماليزية ، و كتابات آلاف خريجي معاهد الدعوة السلفية ، كل ذلك بدون منتج حقيقي يقدم جديداً يخدم الواقع أو يزيل إشكالاً سابقاً لم يفصل فيه السابقون) ،،
. و كثيراً أيضاً ما نرى من يتاجرون بهذا الإرث عن حق و عن باطل إما لأنهم عدموا المستمع أو عدموا العلم ذاته ، فحولوا الإرث الإسلامي لمجرد شعار يتحزب الناس له أو ضده بلا وعي أو معرفة (الإسلامجية بكل أشكالهم ، و أولهم و أفسدهم حركة الإخوان و ما إنبثق عنها بشمال أفريقيا و بنجلاديش ) ،،

- و نادراً ما تجد منهم الناجح ،،
. الناجح الذي سار في طريق جديد بعيداً عن إرثه متبنياً منظومة أسرة جديدة (علماء العرب في دول الغرب الذين أصبح الإسلام بالنسبة لكثيرهم إنتماء روحاني فقط) ،،
. أو الناجح على نفس درب أسلافه لكن بخطىً ناجحة ( فلاسفة الإسلام المعاصر مثل مصطفى محمود و عبد الوهاب المسيري ) ،،

و حتى تصبح الندرة الأخيرة كثرة ، أو حتى تُمكن تلك الندرة من تحريك المجتمعات المسلمة فلن يكون للإسلام صوت مسموع في هذا العالم .


* من المؤلمات في إنتمائنا لأمة العرب و أمة الإسلام أن الأمتين تشتركان في تلك الصفة الصانعة للتخلف ( العيش على الإرث دون إنتاج ) ،،

- فالعرب يعيشون على ريع إرث أسلافهم من آثار صنعها عرق الإجداد أو آبار بترول صنعتها جثثهم !
فإذا ما لم يكفهم ذلك باعوا أملاكهم - و ليس إنتاجهم - من أرض ، و عرض سياسي ، و مواد خام ، بل وحتى لحومهم لتصبح بعض بلادنا مركزاً للسخرة (الأيدي العاملة الرخيصة معدومة الحقوق ) ، و للرقيق الأبيض ( زواج القاصرات لعواجيز الخليج ) ، بل و حتى لتجارة الأعضاء البشرية (عصابات كان يديرها وزير داخليتنا السابق المجرم العادلي ذاته ) !!

- و المسلمون على الجانب الآخر يعيشون على مباهاة جميع الحضارات الحالية بإرثهم الإسلامي النفيس الذي لا يفهمونه !
أو يعيشون على التحذلق و التفلسف بتعقيد ذلك الإرث إلى كتل فقهية صورية غالباً مبنية على أهواء أو أفهام معيبة فلا يمكن الإستفادة بها ،،
أو يعيشون بعيداً عن هذا و ذاك في راحة و دعة عن مجاراة الخلق في الحياة إطمئناناً إلى قوة المنهج و العقيدة ، و وهماً من عند أنفسهم أن الله لابد ناصرهم في النهاية مهما قعدوا عن (و أعدوا ) ، أو أهملوا ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، أو بعدوا عن ( مكارم الأخلاق ) التي نزلت رسالة الإسلام أصلاً لإتمامها !!


* قاتل الله الجهالة ، و قبح الله خسَّة النفس و الطموح ،،

و صدق رسولنا الكريم عليه الصلاة و التسليم الذي دعى ربه قائلاً : 

(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق