الخميس، 15 مارس 2012

كشوف العذرية بين الدين و الخلق ،، المهنية ،، و طاعة الأوامر العسكرية




كشوف العذرية قضية أرى لها ثلاثة أوجه كلها شديدة الأهمية :


الدين و الأخلاق ،، المهنية الطبية  ،،  طاعة الأوامر العسكرية

* لا أتكلم عن الواقعة المذكورة في حق المحتجزات في السجن العسكري و حسب ،، فما أعلمه عن الأمر لا يجعلني أهلاً للحكم ،

لكن لي رؤية إنسانية ( دينياً و أخلاقياً ) ، و أخرى مهنية ( طبياً و عسكرياً )  لمبدأ كشف العذرية ذاته ،


**يعلمنا ديننا أن : 

- ( ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمترجلة ، والديوث ) ،،

- أنه ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ،، أياً كان هذا المخلوق قائداً ،، أو ولي أمر أمرت بطاعته إلا فيما نهى الله عنه ،، أو حتى والداً انت مطالب بتمام الإحسان إليه ،،

- أن :  (المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ) ،، و أن : ( بحسب إمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) ،

- يعلمنا أنه : ( من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)

- يعلمنا أنه على من يرى في نفسه مؤمناً حقاً أن يدافع عن العرض بحياته ،، فمن مات دون عرضه فهو شهيد ،،
فكيف تحبب إلينا التضحية بالنفس ،، و يبخل من يبخل عن التضحية بإجازته الشهرية ، أو حتى بمشقة المحاكمة العسكرية ؟؟

- يعلمنا ديننا أنه يحسب من أعراضنا عرض كل إمرأة مسلمة ،
     و عرض كل إمرأة على غير ديننا بينها و بيننا ميثاق ( أبناء البلد الواحد و حتى ابناء البلاد التي بيننا و بينها علاقات ديبلوماسية ) ،،
     و عرض كل إمرأة أياً ما كان دينها لو كنت حاضراً الإعتداء بغير حق عليها ،،
     و عرض حتى من كان بينك و بين قومها حرب ، و جائت مستجيرة طالبة الأمان !!

بمعنى آخر عرض المسلم هو عرض كل البشر اللذين يحيطونه إلا من حمل في وجهك سلاحاً بغير حق يشرع ذلك .

* فكم مخالفة لبديهيات شرعية و إنسانية تتم في أمر كشوف العذرية ؟؟ .
__________________________

و قد ذكر  من أقروا هذا الفعل المشين حجتين أفندهما إن شاء الله :

** الحجة الباطلة الأولى:

* ( حجة التوثيق ،،  بأن يثبت رسمياً إن كانت المحتجزة ( بكراً ) أو ( سيدةً ) ، حتى لا يمكنها الإدعاء بأنها تعرضت لجريمة إغتصاب داخل السجن ). و الرد على ذلك :

1- إجراء الكشف الطبي على أي مريض في أي توقيت يستدعي موافقته ، التي أحياناً تكون ضمنية  ، أو لفظية ، أو كتابية ( مثل طلب إصدار تقرير طبي ) .

-  في الأحوال العادية ( توقيع الكشف الطبي الإعتيادي على مريض كامل الأهلية لغرض العلاج ) يكتفى بالموافقة الضمنية ، كأن يحضر المريض لمكان الكشف في عيادة أو مستشفى مما يعنى طلبه "ضمنياً" توقيع الكشف الطبي عليه ،

- في نفس الظروف ( الكشف للعلاج ) يستدعي الأمر موافقة لفظية لو كان الفحص سيتم على الأعضاء التناسلية أو الشرج أو الثدي ،
و يكون ذلك بأن يخبر الطبيب المريض عن طبيعة الفحص و الغرض منه ، و يوافق المريض ، و يحضر ذلك الفحص شاهد آخر ( طبيب أو ممرض )  من جنس غير جنس الطبيب الذي يوقع الكشف ( إن تيسر ذلك ) ،

- إذا كان المريض غير كامل الأهلية ( مثل المسجون في هذه الحالة )  ، لا تشترط موافقته لإجراء الكشف الطبي العادي ،

-  لكن تشترط تلك الموافقة لإجراء أي فحص خاص للمناطق المذكورة سابقاً ، 
و في حالة الرفض يسجل الطبيب ذلك لنفي مسؤوليته و مسؤولية الهيئة التي يجرى الكشف الطبي لمصلحتها عن عدم إكتمال التشخيص ( في حالة المرض ) ، أو عدم إكتمال المعرفة ( في حالة التقرير الطبي ) .


2-  في حالة موافقة المريض (كامل أو غير كامل الأهلية) على إجراء الفحص (الخاص) ، يجب على الطبيب إستدعاء شاهد ( حسب الشرطين المذكورين عاليه ) ،

- و تكون إحدى مسؤوليات ""الطبيب"" الأساسية هي توفير بيئة ملائمة لحفظ كرامة المريض أثناء الفحص ، و إن لم يمكنه توفير ذلك يكون عليه الإمتناع عن إجراء الفحص من الأساس .


3- بما أن من أجرى الفحص ليس جهةً مستقلةً ، و هو نفس المؤسسة التي قد تدعي عليها المسجونة ،
فبالتالي تقرير  الفحص الصادر عن تلك المؤسسة لا يعتد به سواءاً كان التقرير صادراً قبل الواقعة أو بعدها.


- مثال : أن تدعي أنك تضررت جسدياً بعد فترة من عملية جراحية في مستشفى ما كنتيجة لتلك الجراحة ، فلا يعتد حينها بتقرير ذلك المستشفى ، لكن يحول المريض إلى مستشفاً آخر أو لجنةٍ تتوافر لها مقومات الكفائة و الحيادية.


4-  كل ظروف حياة المحتجز هي مسؤلية قانونية لمن يحتجزه ،
و يجب على من يمثل سلطة الإحتجاز العمل على توفير ظروف حياتية ملائمة كما تقتضيها اتفاقيات حقوق المساجين و المحتجزين وحتى أسرى الحرب ، 
و منها توفير بيئة آمنة تضمن عدم تعرض المحتجز لإعتداء بدني من أي نوع .

- لذلك فحجة إجراء فحص العذرية للتوثيق حجة فاسدة ،، لأنها إعتراف ضمني بإمكانية تعرض المحتجزة للإغتصاب ، سواءاً بالإهمال أو بالتعمد ،

فهي جريمة تحتاج لتحقيقها وقت و غياب رقابة كامل لدرجة عدم سماع الإستغاثات المتكررة ، أو تعمد للإغتصاب من القائمين أصلاً على السجن و تواطئهم لتحقيق ذلك ،


5- لا ينفي وجود غشاء بكارة من عدمه التعرض للتحرش الجنسي ،، كما لا ينفي حتى الإغتصاب الكامل بالممارسة الجنسية غير الطبيعية ،، 
و حتى مع الممارسة الجنسية الطبيعية قد لا يتعرض ذلك الغشاء للتهتك في بعض الحالات !!

- إذا لا يعتبر وجود غشاء بكارة حتى بعد إخلاء سبيل المحتجزة دليل نفي قانوني عن إتهامها لسلطات السجن في التسبب بإغتصابها .


6- مما يوضح أنه لا حجية قانونية أبداً لهذا الإجراء و أنه لا يمثل أي سند قانوني ضد الدعاوى المستقبلية ، أنه لا توجد إجراءات أخرى يفترض بها تأدية نفس الغرض مع الفئات الأخرى (السيدات) .


- فماذا لو إدعت سيدة أنه تم إغتصابها في السجن ؟ لا يوجد فحص ما في الكشف الطبي السابق للإحتجاز يفيد في نفي الأمر أو إثباته . 
فما الداعي لإجراء ( كشف عذرية ) لا يفترض به إلا أن يكون حجة على بعض و ليس كل المحتجزين ؟


7- حتى مع فرضية حجية هذا الكشف اللاقانوني ، كان يمكن أن يؤخذ إقرار موقع ممن يجب الكشف عليهم برفضهم للكشف حال إصرارهم على ذلك ، 
و يستشهد بشاهدين ، 
و تخبر الممتنعة عن الكشف التي ستوقع على الإقرار أن ذلك الإقرار سيستعمل ضدها مستقبلياً ( كنفي لإثبات حالة البكارة ) في حال قررت هي الإدعاء بفض بكارتها داخل السجن .


8- مما ينفى أيضاً حجية هذا الكشف أن المحتجزة لا يمنعها القانون من فض بكارتها داخل السجن ( بأي صورة ما دامت طوعياً و دون إكراه ) ، 
و ليس لسلطة الإحتجاز لا مسؤلية قانونية عن هذه الحالة من فقد العذرية ، و لا حتى الحق في الإعتراض عليها .

- في تلك الحالة سيثبت الكشف السابق للإحتجاز أن المحتجزة وصلت إلى عهدة سلطة الإحتجاز و هي عذراء ،
مع هذا لا يعطيها ذلك الإثبات حجية  في الإدعاء بإغتصابها أثناء الإحتجاز ،
إن أثبتت فقدها لعذريتها بتقرير طبي جديد طلبته هي  بعد تقديم الدعوى . 


أقصى إستغلال قانوني للتقرير الأول أعتقد أنه لن يتجاوز القرينة.


9- لو كان أمر كشف العذرية مستساغاً قانوناً ألم يكن من الأولى توقيع ذلك الكشف كإجراء طبيعي قبل الزواج ؟
فوثيقة الزواج ( التي تعد من أكثر الوثائق حجية و مؤكدة بعدة مراحل من التوثيق ) تحتوي على إقرار بحالة العذرية من عدمها في نص الوثيقة ، 

لكن مع ذلك يتم توثيق تلك المعلومة بمجرد شهادة العروس أو أهلها بأنها (بكر) ،، 
و في حال تضرر الزوج من إكتشافه لواقع يخالف ذلك ، يحق له طلب توقيع الفحص الطبي عليها ،، 
و اللذي يمتلك أدوات تمكنه من البت في ذلك ، و يمكن لذلك الفحص التفريق بين كون فض البكارة حديث أم قديم .

__________________________________

** الحجة الباطلة الثانية :

( حجة عدم إمكانية أن يعصى الطبيب أمراً عسكرياً مباشراً ممن  يعلوه رتبة أو درجة )

قد يتخيل البعض أن الأوامر العسكرية واجبة النفاذ تحت كل الظروف ،
هذا ليس صحيحاً ،، أتحدث هنا عن معلومة و خبرة شخصية ، و ليس عن تخيل و إستنتاج ،

أولاً : يمر من يصدر عليه أمر بالسجن ( و ليس مجرد الإحتجاز ) في القوات المسلحة لكشوف طبية ، و إجراءات وقائية مطولة و دقيقة ، و في مؤسسات طبية عسكرية مختلفة و ليس في مكان واحد ،
يكون الهدف منها أمرين : التأكد من لياقة المسجون الصحية لتحمل ظروف السجن ،  و للتأكد من عدم نقله أي عدوى للمساجين الآخرين ،

و ليس للعذرية شأن في ذلك .


ثانياً : تعلمنا في القانون العسكري أنه لا يحق حتى للقائد الأعلى للقوات المسلحة مخالفة توصية طبية رسمية يصدرها أحدث ( أقل رتبة أو درجة ) طبيب بالقوات المسلحة ، 
و لا أن يأمره فيما يخص أي جوانب التعامل الطبي مع الأفراد قيد مسؤوليته الطبية ،

- و واجب على كل طبيب أن يعلم  القوانين المنظمة لعمله في المؤسسة التي ينتمي لها ، فسيعلم حينها أن القانون العسكري يحميه ، صحيح أنه قد يتعرض لمضايقات أو حتى تعسف ، 
لكني أعتقد أنه من الواجب تقديم الإنتصار للشرف الإنساني و العسكري على تجنب حرمان من الإجازة أو حتى التقديم للمحاكمة العسكرية .


ثالثاً : يتيح القانون العسكري ( في حالة السلم ) أن يطلب الأحدث ( الجندي كمثال ) أن يمتنع عن تنفيذ الأمر و أن يطلب عرض نفسه و من أصدر إليه الأمر إلى الرتبة الأعلى منهما ،
إن كان ذلك ( الأحدث ) يعلم أن ذلك الأمر الصادر إليه مخالف للقوانين و الأوامر العسكرية السارية ،


- و يكون على من أصدر الأمر التحفظ على الممتنع عن تنفيذه  ، و له تحديد طريقة إحتجاز ذلك الممتنع ، 
و إبلاغ الرتبة الأقدم ( الأعلى ) بالأمر فور إمكانية ذلك ،


- سوف تقررالرتبة الأقدم سواءاً صحة الإمتناع و تتصرف في ذلك بما ترى في شأن المخطىء، أو ترى بعقاب الممتنع ، اللذي يحق له حينها التظلم و طلب عرضه على قائد الوحدة ، 
و لو تكرر القرار بالعقاب ، فيحق للممتنع حينها أن يطلب أن يعرض الأمر على المحكمة العسكرية .  



انا في غاية الحزن أن أعيش في زمن يضطر فيه المنصف إلى تبرير بديهيات إنسانية !!!



هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله خيرا على هذا التفنيد العلمي د. أحمد
    و لكن برجء تغيير الخلفية السوداء للمدونة، فهي مرهقة جدا للعين عند القراءة

    ردحذف