الأربعاء، 18 يناير 2012

حوار مع صديقي الأفلاطوني الحالم الذي يكره الشتائم و لا يعرف قواعد الاشتباك !!







يقول لي صديقي و هو منفعل :
ما بال الثورة من أنهك نفسه فيها لم يتفضل على نفسه ببعض الجهد لإصلاح خلق نفسه ؟؟!!
كما كنا في حاجة لثورة علي الفساد فاننا في أمس الحاجة إلي ثورة أخلاق ،
فإن ثورة تنادي بالحق يعتنقها سيئ الخلق ،، لهي ثورة مبتورة ليس لها اي معنى ،،
فالفساد جزء من التعفن الاخلاقي ولا يطهر التعفن بالتعفن !!!

فأقول له مستعجباً على ملحوظته التى ليس هذا وقتها و لا مجالها :

من منا مطالب بجمع "كل" الفضائل ؟؟؟
كلمة الحق حتى و لو خرجت من فم فاجر وجب النزول عليها ،،

طبعا الأولى بمن طلب الحق ان يتلمس حسن الخلق ،،
لكن لا ينقص من صدق قضيته سوء خلقه ،،  ذلك ينقص فقط من شخصه ..

**

فيقول صديقي و قد فاجأه تضاد رأيينا و هو من كان ينتظر أن أؤمن على رأيه:
يا سيدي هذا تناقض فاضح ،، فمن يطالب بالاصلاح لابد ان يكون لديه الحد الادني من الاخلاق ..
فإن أمة بدون أخلاق لا تستجدي منها صلاحاً ولا فلاحاً  ،،
فالضمير والامانة وحسن المعاملة والكد في العمل هي التي تصنع الامم ،،  وليس الاكتفاء بالشعارات والاعتصامات !!
فان الامم التي تنهض هي الامم التي أقسم كل شخص فيها أن يكون قدر المسؤلية على الوجه الأكمل والمسلمون الأولون نهضوا بأخلاقهم وكدهم ؟؟

فأجيبه باسماً مستبشراً بنهاية حوار مصري تقليدي لن ينتهى إلا الى فرقة و اختلاف:

رغم عدم معرفتى لأمة (اقسم كل شخص فيها ان يكون قدر المسؤلية على الوجه الاكمل) ،،

إلا أنني أسألك هل الأمم التى تقصدها  - بما فيها الدولة الاسلامية الأولى التى اتسعت لتحكم العالم - لم يكن بها منافقين ، و حمقى ، و زناة ، و قتلة ، و قاطعي طريق ؟؟!!

حسناً ،، هل لو قام واحد من هؤلاء الأقل خلقاً  - بإفتراض أنه عوقب على جرمه ليطالب بحقه من المجتمع و الحاكم  ،، كانوا يقولون له مثلاً :

"امشي يا فاجر يا قليل الأدب من هنا ما لاكش في كسوة الشتاء او معونة المجاعة " ؟؟!!

هل لو مات  واحد من المنافقين في معركة و هو يحارب مع جيش المسلمين كانوا يتركونه مرمياً على ارض المعركة ؟!
أو لا يصلون عليه ؟! 
أو لا يطلبون له من الله اجر الشهيد لأنه منافق معلوم النفاق ؟؟!!

أنصحك بالخروج من الإطار الرومانسي النظري و الكلام المرتب الذي دس في الحضارة الانسانية المعاصرة الجوفاء ،، إلى قراءة أعمق للتاريخ و الفقه و العلوم الانسانية ..!!

***

فيعلق صديقي مغاضباً :
وأنا أنصحك ايضا بالتعمق اكثر في الحضارة الاسلامية كيف كانت تتعامل مع الاعداء في قمة الصرامة باسلوب محترم لا يوجد فيه قبيح الالفاظ التي يصل الي حد القذف ،،
وانا لا اتحدث بنزعة رومانسية ولكن عن تجربة انسانية حية مورست وآتت ثمارها .....

انا اتكلم عن من يقدمون انفسهم كشباب زعيم ثوري ،،
لا اتحدث عن المدرجين من باقي الشعب ..
من العار أن تكون شخصية في محط زعامة ويتبعك الكثيرين وتكون باخلاق فاسدة ،،
فكما يثور الانسان علي الاخرين مطالبا بحقوقه ،، فليثر علي نفسه واخلاقه ،،
لانها في كثير من الاحيان تتعلق بحقوق الاخرين ..
فليس من حقي السب والقذف باسم الشرعية الثورية ،، ولا اعتقد ان السب والالفاظ النابية تأتي بحقوق البشر ،، بل تؤصل في النفس انحطاط الاخلاق وتدني مستوي الخطاب والحوار ،،

ولا المفروض نقول برافو؟؟؟!!

الفكرة تكمن ان بعض الشباب واكيد انت تلاحظ سبابهم ،، وتعامل بشكل غير لائق مع من هم اكبر منهم او حتى مثلهم بداعى الثورة ...
انا لا اتهم الثورة ،، ولكن اتهم بعض الناس الذين يدعون انهم اصحاب رسالة انهم لو كانوا اصحاب رسالة سامية ما كان هذا مـألهم ولا طريقة تعاملهم  ،،
ولكن عندى بعض الظن انهم قد تكون النية سليمة ولكن طريقة التطبيق فاسدة بشكل فاضح ..

هذه قضيتى فالشباب على الفيسبوك ان لاحظت فى الفترة الاخيرة استخدم الفاظا نابية فى وصف المجلس العسكري ...
إني اؤمن ان له الحق فى الانتقاد والوقوف ضده ،،  ولكن لا يأتى على حساب اخلاقيات تربينا عليها جميعا ،،،
فكل ما يعنينى ان نعود لقيمنا ان كنا نريد ان ننهض بالامة نهضة صحيحة..


فأعتدل في جلستى متحفزاً لكن مسيطرا على الفاظي ، وأقول :

هل تعلم ان المصرية تشترى "نـيـش" بضعف ثمن ما سيحافظ عليه هذا النيش من أواني ؟؟

هل تعلم أن النظام الاداري المصري لا يأبه ببيع آلاف الأفدنة من أملاك الدولة بالرشوة ،، ما دامت لم تثبت ،، و كل الأوراق الرسمية سليمة ،،

في نفس الوقت الذي تحول فيه للتحقيق بلا هوادة ان ثبت أنك استخدمت سيارة العمل في مأمورية دون أن تثبت ذلك في دفتر يومية أحوال حملة مركبات المصلحة ؟؟!!

العقلية المصرية تحفل كثيرا بالإطار ،، على حين أن المضمون مغفل في معظم الأحوال ،،



كل دفاع موظف تختلف معه ثم لا يجد رداً منطقياً على طلبك هو : " هو انت هتعلمنا شغلنا يا أستاذ ؟؟ "




كل دفاع متحاور معك يصل الى نهاية مهربه من استدلالاتك السليمة هو : "ثم إيه الطريقة اللى حضرتك بتتكلم بيها دي و ليه صوتك عالي كده ؟؟ على فكرة أنا ما أسمحلكش "




كل دفاع مسنين لا منطقيين في الأسرة أو العمل أو المترو عن انفسهم عندما تنقصهم الحجة ،، هو : " دي مش طريقة تكلم بيها اللى أكبر منك"



كل دفاع مدير فاشل عن تحديه لارادة شاب نابه حتى لا يهدد ذلك الشاب منصبه ،، هو :  " انت ليه ما اتبعتش التسلسل الاداري"


الأدهى ان تلكم الحجج رغم وضوح دوافعها لأي طفل يستمع الى الحوار ،، الا انها حجج مقبولة اجتماعياً يوافق عليها معظم الحاضرون بهز رؤوسهم مغمغمين " فعلا معاه حق ،، ده مش أسلوب ،، الاحترام حلو برضوه " !!


لا ألومك ،، لكنى انصحك ،،

بأن تفعل ما تشاء ،، و تترك الحكم على الآخرين ،، فقد يكون ما تراه عين سوء الخلق ،، هو الطريقة الطبيعية ،، أو انفع المتاح في مواجهة خصم  أقوى ،،

فمن يلوم من ضربه بلطجي بسكين على سبابه و هو غارق في دمائه ؟؟

كثيرا ما نصحونا في محمد محمود:

"ارجعوا الى الميدان ،، اخرجوا من الشارع ،، لا تعطوهم الذريعة لقتلكم " ،،

يعلم الفاهمون خطأ ذلك الفكر و لكنه كان نتاج طيبة خلق كالتى تظهرها الآن ،، و عندما اتبعهم الناس ،، كرت ميليشيات طنطاوي لتقتل و تسحل من كان آمنا مسالماً (مؤدباً) في صحن الميدان !!

افعل ما تراه صوابا ،، و لا تلزم الآخر به ،، و عبر عن رفضك لما يفعل بدون اتهام ،، أو تخوين  ،، او تعالي ،، طالما لم يطالبك هو باتباعه او فعل المثل...

( لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ) ،،
(لا تزر وازرة وزر أخرى) ،،
(بل الأنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)
( رأيي صواب يحتمل الخطأ ،، و رأي مخالفي خطأ يحتمل الصواب)

*********

يعز على صديقي كسر ذلك التابوه المجتمعي حتى و لو لم يعترض على منطقي ،، لكن حالة الحوار المصرية التى تعتبر الحوار "خناقة" يجب الانتصار فيها بأي ثمن ،، فيصيح و قد ضاعت فصحاه الى انفعال العامية قائلا :

بس هو سؤال بس ،، هو فيه مشكلة اننا زى ما نقول لازم نثور وناخد حقنا والا ضعنا وعمرنا ما هننهض  ،،،
اننا نقول من غير اخلاق عمرنا ما هننهض ؟؟؟
ايه وجه الاعتراض ؟؟ وايه وجه انى بتعالى  ؟؟؟  ولا هو فكرة اننا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض؟؟؟


الآن أعلم أن مؤشر الضغط على أقصى قراءة ممكنة  ،،
فقد أخرج السلاح الأخير "الانفعال ثم لفظ التكفير"  ،،

أنوي الرد لمرة واحدة إضافية بعدها أحافظ على جهدي و صحتى أيضاً من ارتفاع ضغط دمي ،، و أرد عليه :

المشكلة هي سوء التقدير

نحن الآن في حرب ضد عدو واحد و هو النظام السابق..

في حالة الحرب ،، يجب تطبيق قوانين الحرب و منها ايقاف الفصل في المنازعات المدنية (المواريث و نزاعات الملكية و كل ما هو غير عاجل )،، و تغليظ العقوبات للجرائم المخلة بالأمن ..

مثال بسيط سيظهر لك خطر ما تنادي به :

أنت في مشاجرة ،، طرفها الآخر قوي و مسلح ،،
و انت خائف و شبه متأكد من الخسارة ،،
ثم ترى من بعيد مجموعة شباب تقترب من الحدث ،،
يتعاطفون معك و يقررون مساندتك ،،
يعلو أملك في الانتصار أو على اقل تقدير النجاة ،،
ينكمش عدوك لكن السكين لا يزال في يده ،،

فجأة تهوي الصاعقة ....

واحد من الشباب المتعاطفين معك يسب المعتدي عليك بأمه !!!! يا للهول !!!!

ثم تكتمل صدمتك ،، فنفس الشخص يدخل يده الى جيب الجاكيت و يخرج سيجارة و يشعلها من فرط انفعاله ....

هل التصرف الصحيح هو أن تعطي ظهرك لعدوك المشهر سكينه لتنصح الشاب المنفعل بأن السباب ليس من حسن الخلق و لا يوافق الشرع ،،
و أنه ان احب الانتصار للخير فلا يجوز له ذلك ،،، 
ثم تتبع ذلك بمحاضرة عن مضار التدخين ؟؟!!


اليس من الأكيد أن صاحب السكين لن يمهلك ثوان معدودة حتى يطعنك في ظهرك ،، ثم يندار ليطعن المتعاطفين معك بينما هم في غمرة ذهولهم من تصرفك أو غضبهم منه ؟؟



اليس الأولى إغفال الصغائر "و ان كانت مهمة" حتى نقضي على الخطر المحدق ؟؟

اليست وحدة صف الحلفاء بالتواد و على الأقل تأجيل المحاسبة على الأخطاء الى ما بعد اتمام النصر ؟؟

ترتيب الأولويات ،، و عدم تقييم الآخر هما عنوانا الدرس ..

كنت أتمنى ان يكون الانتصار للأطر الحوارية من المصريين منبعه حسن الخلق ،، لكني أعلم أنه غير ذلك ،، و لتتأكد إجلس على أي مقهى أو في أي نادي يرتاده أبناء جنس واحد بدون إختلاط بين الذكور و الاناث و ستسمع بأذيك ،،

تريد أن تتأكد ،، راجع القاضي الذي حكم بالبراءة في قضية سب و قذف ،، و وضع في حيثيات حكمه أن الشعب المصري "شعب كثير السباب" و بالتالي فالمتهم لم يأتى فعلاً شاذاً !!


هل تريد أن تعلم سبب الإهتمام بالأطر الحوارية ؟؟


إنه جبن الإنكار لما تفعله في السر أن يظهر للعلن ،،
إنه التملص من مواجهة الفكر المضاد



_________________

إقرأ عن نفس الموضوع :

هل فعلاً أخلاق الثوار "تيييت" ؟؟ و هل لو نجحت سنعيش في دولة "تيييت" ؟؟


حوار مع صديقي الأفلاطوني الحالم الذي يكره الشتائم و لا يعرف قواعد الاشتباك !!







هناك تعليقان (2):

  1. سلمت يدك، تصوير عميق وحقيقي لأحد أوجه الصراع الفكري الذي يدور في مجتمع يعاني من الكبت والقهر. يخطيء من يركز على الشكليات أكثر من القضية نفسها!

    ردحذف